إشارة: الدكتورة زهرا أخوان صراف من النساء القليلات الباحثات في الفقه اللواتي حصلن على درجة علمية في هذا التخصص. مجموعة كتاباتها وحواراتها وملاحظاتها وآرائها في مواضيع فقهية وقرآنية متنوعة جعلتها واحدة من النساء البارزات في علوم الفقه والقرآن. تتمتع بإتقان اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، واكتسبت خبرات جيدة في الساحة الدولية، سواء عبر الرحلات العلمية أو الحضور في الجلسات الدولية. تحدثنا معها حول متطلبات النهج الدولي لعلم الفقه. تعتقد أن النهج الدولي للفقه ليس خيارًا؛ بل ضرورة. في هذا الحوار، تناولت بالتفصيل أبعاد هذا النهج المختلفة. نص الحوار الخاص لـ«فقه معاصر» مع عضو هيئة التدريس في جامعة الأديان والمذاهب كالتالي:
فقه معاصر: ما معنى النهج الدولي للفقه، وما متطلباته؟
أخوان صراف: الفقه، كعلم استنباط الأحكام من مصادرها، يلعب دورًا محوريًا في حياة المجتمعات المسلمة. تطور هذا العلم عبر القرون للرد على الاحتياجات الروحية والاجتماعية والقانونية للأمة الإسلامية. ومع ذلك، في عالم يزداد ترابطًا بسبب العولمة والهجرة والتكنولوجيات الرقمية، تُطرح أسئلة مهمة يجب أن يرد عليها نقاش النهج الدولي للفقه: هل يمكن تطبيق الفقه في سياق عالمي؟ ما هي متطلبات تطوير نهج دولي للفقه؟ وما تأثيرات مثل هذا النهج على الفقه الإسلامي والمجتمعات الشيعية والمجتمع العالمي؟
المراد من النهج الدولي أو العالمي للفقه هو نوع من إعادة خلق الفقه، يُراعى فيه الرؤى والتوجهات والمتطلبات لمجتمع معاصر عالمي بمواصفاته المذكورة، والتحديات المحتملة لهذا المجتمع الجديد مع الفقه وحلولها. لذا، يسعى هذا النهج فعليًا إلى تكييف وتفسير مصادر الفقه في إطار المسائل والمعضلات العالمية. يحاول هذا النهج إعادة النظر في الفقه الإسلامي مع مراعاة التطورات الدولية واحتياجات المجتمعات المسلمة على المستوى العالمي. هذه إعادة النظر قد تكون في الأحكام، وقد تكون في المبادئ وطرق استنباطها أيضًا. مثل هذا النهج له متطلبات نظرية وعملية.
بعض المتطلبات النظرية لهذا النهج هي:
ديناميكية الفقه: إعادة قراءة الفقه التقليدي بناءً على اجتهاد ديناميكي، بمعنى أن الاجتهاد الفقهي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار ظروف الزمان والمكان، ويرد على الاحتياجات المعاصرة، وبالتالي يجب أن يكون مرنًا.
مرونة الفقه: تطورات الإنسان والعالم من جهة، وتطوير أدوات الاجتهاد التي توفر إمكانية تفسيرات مختلفة مع الالتزام بالمبادئ والمصادر الرئيسية من جهة أخرى، تتطلب مرونة أساسية للفقه.
شمولية الفقه: ليشمل آراء المسلمين من خلفيات عرقية ولغوية وقومية متنوعة في عملية الاجتهاد.
بعض المتطلبات العملية لهذا النهج هي:
معرفة دقيقة للمسائل الدولية والسعي للتنسيق: يجب على الفقهاء التعرف على المسائل والتحديات العالمية، ومع مراعاة المتطلبات الدولية وإمكانيات المسلمين في المجتمع العالمي، سد الفجوة بين الحقوق الإسلامية والأنظمة القانونية الدولية دون تعريض القيم الأساسية للإسلام للخطر.
التفاعل مع الأنظمة القانونية الأخرى: للوصول إلى حلول مشتركة، يجب إقامة تفاعل بناء مع الأنظمة القانونية الدولية، وهذا يتطلب التواصل بين الثقافات للوصول إلى حلول مشتركة، وفي طريقها تقديم الأحكام الإسلامية بطريقة مفهومة ومعنوية في السياقات الثقافية المختلفة.
فقه معاصر: هل النهج الدولي للفقه ضرورة أم أمر مرغوب فيه لكنه غير ضروري؟
أخوان صراف: مع ظاهرة العولمة والتأثير المتبادل بين المجتمعات، فإن النهج الدولي للفقه ضرورة. فقط مثل هذا النهج يمكن أن يساعد في حل المسائل الناشئة والمعقدة على المستوى العالمي، ويمنع عزلة الفقه الإسلامي. فئات من الضرورات تجعل التدويل أمرًا مرغوبًا أو اختياريًا خارجًا. منها:
ضرورة رد الفقه على مسائل الأقلية المسلمة في الدول غير المسلمة؛ مع حياة المسلمين كأقلية في الدول غير المسلمة، يجب على الفقه الرد على مسائل مثل العلاقات بين الأديان، والأنظمة القانونية العلمانية، والمجتمعات متعددة الثقافات.
ضرورة رد الفقه على التحديات الأخلاقية العالمية؛ مواضيع مثل تغير المناخ، والذكاء الاصطناعي، وحقوق الإنسان، والأخلاقيات الحيوية تحتاج إلى ردود متجذرة في المبادئ الإسلامية لكن قابلة للتطبيق على المستوى العالمي.
ضرورة وحدة المسلمين في المواقف في المجتمع العالمي؛ يمكن للنهج الدولي أن يعمل كقوة موحدة للمسلمين في جميع أنحاء العالم، ويقدم إطارات مشتركة لمواجهة المسائل الحديثة.
فقه معاصر: ما آثار النهج الدولي للفقه في علم الفقه، والمجتمع الشيعي، والمجتمع الدولي؟
أخوان صراف: يمكن للنهج الدولي للفقه أن يكون له تأثيرات تحويلية في مجالات مختلفة. منها، هذا النهج:
له تأثير مذهل على الفقه كتخصص علمي. يشجع هذا النهج على الاجتهاد من جديد والبحوث الديناميكية للرد على المسائل المعاصرة، ويؤدي إلى تطوير وديناميكية أكبر للفقه والرد على المسائل الجديدة. كما يتطلب تعاونًا واسع النطاق بين العلماء، حتى علماء المذاهب، للوصول إلى أكفأ الحلول في الساحة العالمية.
يمكن أن يساعد في توسيع دور المجتمعات الشيعية وزيادة تفاعلها مع المذاهب الأخرى. من خلال التفاعل في الإطارات الدولية، يمكن لفقه الشيعة تقديم تقاليدها الغنية لجمهور أوسع، وتعزيز الفهم والحوار. هذا يمكن أن يساعد في مكافحة الصور النمطية وتعزيز المشاركات الفكرية لعلماء الشيعة. لذا يزيد من التفاعل والتقارب مع المجتمعات الأخرى ويقوي الهوية الدينية والمذهبية في الساحة الدولية.
يمكن للفقه الإسلامي أن يكون له تأثير كبير على المجتمع العالمي؛ بهذه الطريقة أنه من خلال المشاركة في النقاشات العالمية حول الأخلاق والحقوق والحكم، يظهر أهميته خارج المجتمعات المسلمة، ويثري الخطاب الدولي حول العدالة والأخلاق. من جهة أخرى، يساعد في فهم أفضل للإسلام وتقليل سوء الفهم، ويمهد للتعايش السلمي.
فقه معاصر: لإنشاء نهج دولي لعلم الفقه، ما الإجراءات التنفيذية والعلمية اللازمة؟
أخوان صراف: هذه الإجراءات كالتالي:
التعليم والبحث؛ لتحقيق النهج الدولي للفقه، هناك حاجة إلى جهود علمية ومؤسسية في مجالات التعليم والبحث. يجب على الحوزات العلمية والمجموعات الجامعية ذات الصلة الاهتمام الجاد بمعرفة المواضيع الجديدة والأحكام الفقهية التحديّة في الساحة العالمية، وتقديم دورات حول القانون الدولي، والأنظمة القانونية المقارنة، والأخلاق العالمية لإعداد جهاز الفقاهة للاجتهاد بين الثقافات. وبالإضافة إلى ذلك، إعداد تخصصات خاصة لتعليم المسائل الدولية المعاصرة. بالتوازي مع التعليم، يجب تفعيل هذه المكونات في مجال البحث، وزيادة الترحيب بالبحث في مواضيع مثل الآراء الإسلامية حول الحكم العالمي، والأنظمة الاقتصادية، وحقوق الإنسان.
التفكير المشترك والتعاون في الساحة العالمية؛ يتطلب النهج الدولي للفقه أن يحقق جهاز الفقاهة لدينا تفكيرًا مشتركًا وتعاونًا أقوى، مثل السعي لتشكيل مجالس دولية من علماء الإسلام لدراسة المسائل العالمية وإصدار فتاوى موحدة أو متقاربة. كما الاهتمام بالمشاركة في النقاشات بين الأديان وبين التخصصات لتبادل الآراء وتحديد المجالات الأخلاقية المشتركة، ولتطوير هذا النهج، مثل عقد جلسات ومؤتمرات دولية للتفاعل مع المفكرين في الدول الأخرى. كما الاستفادة الجادة من الإمكانيات والتكنولوجيات المعاصرة المكثفة مثل المنصات الرقمية لنشر الأحكام الإسلامية وتعزيز الحوار مع المسلمين وغير المسلمين في جميع أنحاء العالم.
فقه معاصر: في طول التاريخ، ما الجهود التي بُذلت لتدويل علم الفقه؟
أخوان صراف: مبدأ تطورات الإنسان والعالم ليس أمرًا جديدًا. في طول التاريخ، اتخذ الفقهاء المسلمون نهجًا تقدميًا ومرنًا وشاملاً لنفس مستوى التغييرات العصرية لديهم، وأعطوا جناحًا للتطور. أمثلة على تقليد المرونة والشمولية من الماضي إلى الآن هي:
الشبكات التجارية في العصور الوسطى: وضع العلماء أحكامًا حول طرق التجارة التي سهلت التجارة في جميع أنحاء العالم الإسلامي وخارجه.
السياقات الاستعمارية وما بعد الاستعمارية: الجهود لتكييف الحقوق الإسلامية مع الدول الحديثة تظهر محاولة للتنسيق بين التقليد والواقعيات المعاصرة.
المبادرات المعاصرة: منظمات مثل المجمع العالمي للفقه الإسلامي لا تزال تدرس التحديات العالمية وتجمع علماء المناطق المختلفة.
الجهود المعاصرة مثل دراسة علاقة الدين والحكم من منظور الفقه والحقوق الإسلامية بنهج دولي تظهر أهمية هذا الموضوع.
فقه معاصر: إذا كان لديك نقطة ختامية، تفضل.
أخوان صراف: في طول التاريخ، أظهر الفقه الإسلامي مرونة مذهلة أمام التغييرات العصرية. التطور والتحول في عصرنا له سرعة غير مسبوقة لا يمكن مقارنتها بأي عصر. ملعب الاستنباط تغير حقًا. في مثل هذه الظروف، يمكن الجلوس جانبًا والصمت والاستمرار في لعب الدور في الملعب السابق، أو اتخاذ نهج سلبي والمواجهة مع الرؤى والتوجهات الجديدة والتخلي عنها والعزلة؛ ويمكن في امتداد تقليد الاجتهاد المرن التاريخي، فتح فصل جديد في دفتر الاجتهاد الديناميكي، والاستمرار في لعب الدور في وسط الملعب الجديد، وتنظيم الاجتهاد بناءً على متطلبات العولمة. برأيي، تفضيل بل ضرورة النهج الأخير لا يحتاج إلى برهان؛ لأن النهج الدولي للفقه ليس فقط لا مفر منه لحياة وكفاءة الفقه، بل فرصة للفقه الإسلامي وبخاصة الاجتهاد الشيعي للوصول إلى مكانته المناسبة في العالم الحديث.
