إشارة: الدكتور عبد المجيد مبلغي، سواء من حيث دراساته الجامعية في تخصص الفكر السياسي، أو من حيث تجاربه في الحضور في بلدان متنوعة، أو من حيث مسؤوليته في إدارة الشؤون الدولية في معهد دراسات الفقه المعاصر، له ارتباط بفقه العلاقات الدولية. تحدثنا معه حول الفرق بين فقه العلاقات الدولية ومفاهيم مشابهة له. أوضح الفرق بين هذا الباب الفقهي الناشئ والقانون الدولي والنهج الدولي للفقه، وأكد أن دائرة تأثير فقه العلاقات الدولية أضيق من المفهومين الآخرين. تفاصيل هذا الحوار الخاص تمر أمام أنظاركم:
الفقه المعاصر: ما هو فقه العلاقات الدولية وما هي المواضيع التي يتناولها؟
مبلغي: فقه العلاقات الدولية يتناول الأحكام المتعلقة بالعلاقات في المجال الدولي، ويخص بالذات العمليات الاستنباطية التي توجه همتها إلى الرد على المباحث المتعلقة بالساحة الحرجة والمهمة الدولية.
عندما نتحدث عن الساحة الدولية، نشير بشكل منظم إلى ساحة ومجال لا توجد فيه قوة فائقة بالمعنى المعروف تحت سلطة داخلية للدول، ونوع من الفوضى الشبهية يحكم هيكلها غير المنظم جيداً؛ وبهذا الشكل، فقه العلاقات الدولية موجه نحو فضاء معقد لا نواجه فيه بالضرورة لاعبين تحت سلطة خارجية نهائية مؤثرة، بل نواجه لاعبين لا يخضعون لسلطة خارجية مؤثرة. هذا الأمر بالذات يجعل فقه العلاقات الدولية معقداً.
كما أننا عندما نتحدث عن فقه الدولي، نشير إلى أحكام وقواعد تركز على الحكومة الإسلامية المهتمة بالفقه كلاعب يحمل خصائص وطنية في الساحة الدولية.
فيما يتعلق بمواضيع فقه الدولي، يمكن طرح مباحث متنوعة ومتعددة؛ بالتحديد يمكن السؤال عن معنى ومدى ونتائج الالتزام بمفاهيم مهمة مثل دار الإسلام ودار الحرب؟ كذلك يمكن السؤال عن الجوانب الفقهية المختلفة المتعلقة بالسلام والحرب. بالتحديد يمكن مناقشة أصالة السلام أو عدم أصالته.
الفقه المعاصر: ما هي العلاقة بين فقه العلاقات الدولية ومسائل القانون الدولي؟
مبلغي: في توضيح العلاقة بين فقه العلاقات الدولية ومسائل القانون الدولي، يجب الالتفات إلى المنشأ المختلف لهذين المجالين والتخصص الدراسي. فقه العلاقات الدولية له أصل ديني ويجد معناه بالمصادر الدينية؛ بينما القانون الدولي والمسائل الناشئة عنه من نوع التأملات القانونية الحديثة وعلم القانون المعاصر. كما يجب الالتفات إلى أن الوكالة المؤدية إلى إنتاج المعرفة والوعي في هذين المجالين، حسب المنشأ المختلف لهما، مختلفة أساساً. فقه الدولي يجب توقعه وانتظاره من الفقهاء؛ بينما القانون الدولي من نوع وسنخ آخر ويمكن البحث عنه في النظريات والدكترينات القانونية.
في النهاية لا يجب نسيان أن صلاحية القانون الدولي شاملة وواسعة؛ وصلاحية فقه الدولي محدودة بالحكومة الإسلامية أو المؤمنين بالفقه الذين يمكن ظهورهم وبروزهم في الساحة الدولية كأشخاص حقيقيين وحقوقيين.
الفقه المعاصر: هل يشمل فقه العلاقات الدولية أي ساحات؟
مبلغي: فقه العلاقات الدولية يجد معناه في ارتباطه بالأمر الدولي ولو بشكل محدود ومحدد. بمعنى آخر، يمكن الحديث عن فقه الدولي فقط عندما يكون موضوع تأملنا الوصول إلى حكم فقهي متناسب ومتناظر مع الوصف الدولي.
كما يجب القول إن مدى فقه الدولي لا يقتصر على العلاقات السياسية، وبجانب ذلك يشمل العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أيضاً. بالتحديد عندما نواجه في الساحة الدولية لاعبين يلتزمون نسبياً بالفقه فيما يتعلق بطريقة حضورهم في هذا المجال الحرج، سواء كان هؤلاء اللاعبون من نوع الدول أو من نوع اللاعبين الحقيقيين والحقوقيين غير الحكوميين، فإن مجالات متنوعة ومتعددة لبروز وظهور فقه الدولي تظهر.
الفقه المعاصر: هل فقه العلاقات الدولية مشابه أو ملازم لـ «النهج الدولي للفقه»؟ ما هي حالات التداخل والانفصال بين هذين المفهومين؟
مبلغي: من الواضح أن فقه الدولي ليس مساوياً للنهج الدولي للفقه. فقه الدولي يعرف تخصصاً دراسياً مدرجاً تحت تنوع من التأملات الفقهية؛ بينما النهج الدولي للفقه يعبر عن منطق منهجي في النظر إلى الفقه ونتيجة طريقة من التأمل الفقهي التي تأخذ الأمر الدولي في عملية الاستنباط كجزء من سياق التأمل.
كما أنه من الواضح أن النهج الدولي للفقه في مواقع مهمة لا يعني الحضور في ساحة فقه الدولي ولن يكون له نتيجة من هذا النوع. إذا استخدمنا في دراستنا الفقهية بيانات من مجال الدولي بما في ذلك في ساحة معرفة الموضوع، وكانت هذه البيانات تساعدنا في عملية الاستنباط في طريقة الفهم والوصول إلى المنطق المؤثر في تشخيص كيفية الاستنباط، فإن ذلك لا يعني أن ما ينشأ في النهاية من مثل هذه العملية يتعلق بالساحة الدولية بطريقة تجعلها تحت مجال تأمل فقه الدولي.
