إشارة: حق المساواة الإنسانية، خلافاً لمظهره الذي يبدو تحدياً حديث العهد في علم الفقه، هو تحدٍ قديم لهذا العلم. كل مرة يتحدث فيها أحدهم عن سبب الاختلاف في حقوق الكافر والمسلم أو يبرز الازدواجية في الأحكام المتنوعة للنساء والرجال، فإنه في الحقيقة يعبر عن سبب عدم قبول حق المساواة الإنسانية في علم الفقه. هل هذا عدم القبول نوع من التحدي فعلاً؟ وإذا كان كذلك، فهل حله يعتمد على تغيير الجمل الفقهية أم تغيير المباني والافتراضات المسبقة والنهج تجاه هذا العلم؟ حجة الإسلام والمسلمين محمد كاظم حقاني فضل الذي قضى سنوات في تدريس الفقه وبحثه وكذلك درس الكلام بشكل أكاديمي، في هذه الملاحظة الخاصة يسعى للإجابة على هذا السؤال. تفاصيل ملاحظة مدير موسوعة الفقه المعاصر تمر أمام أنظاركم:
ربما يمكن في تاريخ إيران المعاصر وفي قضية المشروطة، تتبع نقطة التحول الرئيسية التي أدت إلى انفصال خطي المشروطيين من اليوم الذي طرح فيه «مبدأ المساواة لجميع الأفراد أمام القانون». الشيخ فضل الله نوري الذي كان يُعتبر عالم طهران الأول، فصل طريقه عن السيدين السندين وطالب بالمشروطة مع وصف المشروعة. الشيخ يقول إن هذا المبدأ بالنسبة للمشروطيين هو أهم مبدأ في المشروطة، بحيث إذا لم يكن هذا المبدأ فلن تكون مشروطة، حتى لو قبلوا جميع المبادئ الأخرى؛ وإذا قبلوا هذا المبدأ فستتحقق المشروطة حتى لو لم يقبلوا المبادئ الأخرى. الشيخ لم يكن يتفق مع هذا المبدأ. في نظر الشيخ وكثير من الفقهاء الآخرين، هذا المبدأ غير متوافق مع كل الفقه الشيعي.
بفاصل زمني يقارب المائة عام، شيخ فقهي آخر في الحوزة العلمية في قم التي تبعد قليلاً عن طهران، نشر كتاباً بهدف دراسة مكانة حقوق الإنسان في الفقه الشيعي تحت عنوان حق الناس، وكرر مرة أخرى كلام الشيخ فضل الله نوري. هو أيضاً مثل الشيخ نوري، يرى «مبدأ المساواة لجميع الأفراد» متناقضاً مع الشريعة، لكنه يعتبر الشريعة التي يقصدها الشيخ شريعة تاريخية، ولهذا السبب وقف بالضبط في نقطة مقابلة للشيخ نوري ودافع عن حق المساواة وفي الواقع أخذ جانب المشروطة؛ بينما أتباع فكر الشيخ نوري ما زالوا في الجانب الآخر من الميدان، يصرون على نفس الفهم من الشريعة الذي قدمه الشيخ نوري ويستمرون في ذلك.
من وجهة نظر هذين الشيخين اللذين كلاهما يدعيان الاجتهاد، المساواة المطلقة وحقوق قانونية متساوية للأفراد، لا يمكن التوفيق بينها بأي تبرير مع الفقه الموجود؛ من أول الأحكام في العبادات إلى أهم الأحكام السياسية بين الأفراد المختلفين الحقوق والتكاليف متنوعة.
في الفقه الإسلامي، النساء لا يحق لهن الطلاق لكن الرجال يحق لهم، المرأة لا يمكن أن تكون إمام جماعة لرجل، المرأة لا يمكن أن تكون مرجع تقليد أو مسؤولاً رفيع المستوى في نظام سياسي، الأقليات الدينية ديتهم مختلفة، دية المرأة أقل من دية الرجل، العبيد والإماء حقوقهم أقل بكثير من المواطنين الأحرار، شهادة النساء في المحكمة أقل قيمة من شهادة الرجال في نفس المحكمة، الإرث أيضاً مختلف بينهم، المرأة ليس لها حق كبير على أبنائها وكل التصرف في الأبناء الذين هم نتاج زواج مشترك في يد الآباء، وحتى إذا لم يكن الأب حياً فإن الجد الأبوي له حقوق يحرم منها الأم. إذا كان أحدهم تابعاً لإحدى الأديان المعترف بها في الإسلام، فإنه لا يتمتع بحقوق تقريباً، بل في بعض الحالات يمكن القول إن ماله وحياته غير محترمين. من يغير دينه ويخرج من الإسلام، له حكم مختلف عن من يغير دينه ويدخل الإسلام، البنات للزواج يحتجن إلى إذن الأب لكن الأولاد مستقلون تماماً. حتى وقت قريب، كثير من الفقهاء كانوا يعارضون حتى تصويت النساء في انتخابات عادية وليس بعيداً إذا ادعى أحدهم أن مثل هؤلاء الفقهاء ما زالوا موجودين في زوايا الحوزات. من وجهة نظر مجموعة من الفقهاء، الحكومة حق حصري للفقهاء والآخرين لا حق لهم فيها، القضاء في الشريعة فقط في يد المجتهدين وعلماء القانون في أي رتبة كانوا لا يحق لهم القضاء وغير ذلك.
بعض هذه الفتاوى تتجاوز المشهور، مصحوبة بإجماع الشيعة وبل بإجماع المسلمين وبعضها مذكور صراحة في نص الآية القرآنية. الاختلاف في الإرث بين المرأة والرجل ليس مسألة يمكن إحالتها إلى مبنى هذا الفقيه وذاك الفقيه بل آية قرآنية صريحة مستند هذه الفتوى. أحكام العبيد تعد من الأحكام البديهية في الإسلام التي كانت واضحة في سيرة النبي والأئمة وأصحاب النبي. كيف يمكن الاستناد إلى نفس النص الديني، تغيير أحكام العبيد واستخراج حقوق متساوية مع المواطنين الأحرار للعبيد من النص الديني؟
الاختلافات التي ذكرت والاختلافات الأكثر التي لم تذكر هي فقط نهاية جبل الجليد من تحدي قبول حق المساواة الإنسانية في الفقه الإسلامي. في الواقع إذا كان فقيه يحلم بتوفيق المساواة الإنسانية مع الفقه، فإن عملاً صعباً جداً أمامه وليس الأمر أنه يمكنه بتغيير استظهار أو بعض قواعد فقهية الوصول إلى شيء.
كل فقهي يعرف بوضوح أن الفتوى دائماً تتغذى من منبعين: المصدر ومبادئ الفكر الفقهي للفقيه. الاختلاف في الفتوى يعود إلى الاختلاف في المصدر، الاختلاف في النظر إلى المصدر والاختلاف في طرق الرجوع إلى المصدر. لذا إذا كان أحدهم يسعى لفقه متناسب مع حق المساواة الإنسانية، فيجب أن يسعى لإعادة قراءة مصادر الفقه ومبادئ الفكر للفقهاء، نفس الذي يسميه محسن كديور اجتهاداً في الأصول.
محسن كديور هو نفسه الشيخ الذي بعد مائة عام من الشيخ المشروعي، أكد مرة أخرى على عدم توافق المساواة الإنسانية مع الفقه الإسلامي ومثل المشروعيين في ذلك اليوم يعلن أن قبول حقوق الإنسان يعني وضع جانباً أجزاء كبيرة من الفقه الشائع. مع هذا الفرق أن كديور يسعى لإعادة قراءة الفقه ليجعل المشروطة مثل الشيخ نوري مشروعة لكن بشريعة مقروءة من جديد وفتاوى تستند إلى النص الديني وتتوافق أيضاً مع حق المساواة الإنسانية.
هذا الطريق، كما أكد وشدد هو نفسه، طريق مبني على التغيير في الأصول. هذه الأصول تتجاوز أصول الفقه الشائع وتصل إلى مبادئ الفقه.
لإعادة قراءة الفقه في اتجاه التوافق مع حق المساواة الإنسانية، أكثر من الاعتماد على الفقه الاستظهاري، يجب اللجوء إلى فقه الملكات وفقه المقاصد وهذا مجرد بداية القصة! لأن في الفقه الشيعي هذين الفقهين لا يدافع عنهما تقريباً أحد ومن يريد رفع علم هذين الفقهين، سيوصف من قبل غالبية الفقهاء بالبدعة و على الأقل بالجهل وعدم المعرفة بأصول الفقاهة.
الطريف أن القصة لا تنتهي هنا؛ لأن قبول فقه الملكات أو فقه المقاصد هو نوع من التغيير في أسس الفقه الموجود. مثل هذا الفقه فقه جديد لا يمكن تسميته جواهرياً بعد الآن. لزوم التركيز على الملكات والمقاصدية، هو رؤية النص الديني تاريخياً.
للوصول إلى مثل هذا الفقه، يجب على الفقيه أولاً تحديد موقفه مع مصدر الاجتهاد والنص الديني؛ هل مصدر الاجتهاد محصور في هذه المصادر الموجودة مع نفس النسبة الشائعة؟ هل يمكن توسيع الاستدلال بالعقل والاعتماد على بنائيات العقلاء؟ هل يعترف بالنصوص الأساسية للدين (الكتاب والسنة) مع هذه الظواهر لجميع العصور أم يفسر النص في تفاعل مع البيئة الحياتية للنص ويعتبر النص ملوناً بالبيئة؟ وهل يمكن استخراج ملكة ومقصد الحكم من هذا النص التاريخي؟ إذا لا، كيف يمكن مع وجود الجهل بالملكات والمقاصد للأحكام، فتح طريق إلى «المساواة الحقوقية لجميع البشر» بينما النص الديني كله مليء بالاختلافات الحقوقية والتكليفية للأفراد المتنوعين؟
أهم من التاريخية للنص الديني، هو أن النظرة التاريخية إلى القرآن والحديث، تتعارض أيضاً مع مناقشة دائرة علم النبي والإمام؛ لأن الفقيه يجب أن يجيب لماذا الشارع مع أنه يعلم أن المسلمين لقرون متعاقبة يجب أن يرجعوا إلى نفس النص، لم يحاول أن يتحدث بشكل أوضح قليلاً ويشعل مصباحاً أمام اللاحقين؟
مبنى آخر يسبب التحدي في هذا النقاش، هو توقعنا من الشريعة. السؤال من الفقيه الذي يريد المساواة هو لماذا يجب أن تكون الشريعة مصاحبة لحق المساواة الإنسانية؟ هل يجب على المكلفين تحديد الطريق الذي تسير فيه الشريعة أم الشارع هو الذي يرسم الطريق بناءً على الغرض الذي لديه؟
خصائص الشريعة العامة كجزء من مبادئ الدين الفقيهية، تحدٍ آخر يجب أخذه في الاعتبار في هذه المسألة. في الواقع إذا اعتبرنا الشريعة عادلة وعقلانية ثم نقيس العدالة أيضاً بمعيار الفهم العقلائي فإن النظرة التي سنكون لدينا تجاه الشريعة ستكون مختلفة جداً عن نظرة الفقهاء السابقين. وإذا سعينا لإصدار الفتوى الفقهية مع عدالة عقلائية، يجب توضيح لماذا ما جاء في النص الديني سواء القرآن أو الحديث غير متوافق مع هذه العدالة العقلائية. ومرة أخرى في دورة فكرية يعود أمر التاريخية للجمل الدينية إلى مباني الفقه. يحتاج الفقهاء والباحثون في الفقه إلى همة لفك هذه العقدة المغلقة منذ مائة عام.
