مدير مشروع «أسلوب حياة أهل البيت (عليهم السلام)»، في حوار حصري مع «فقه معاصر»:

الحكم الشرعي في الحفاظ على الموارد الطبيعية من منظور الفقه الإمامي/6

من الشخصيات المعاصرة لهم، مالك بن أنس – أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة – قيل فيه: «لم يُعرف عملاً ولا تجارة ولا سعي لسفر أو صناعة»، أي لم يكن له عمل ولا تجارة، وكان همه كله طلب العلم. أما الإمام الباقر والإمام الصادق (عليهما السلام) – وهما معاصران لمالك – فكانا رغم انشغالهما العلمي الكبير يمارسان التجارة والزراعة أيضاً.

إشارة: سيرة المعصومين (عليهم السلام) في الموضوعات الفقهية المختلفة مفيدة من جهتين: الأولى تعليمية واقتدائية، والثانية أنها تُعدّ دليلاً فقهياً يؤثر في عملية الاستنباط. السؤال الآن: هل كان لأهل البيت (عليهم السلام) سلوك خاص تجاه الموارد الطبيعية وحفظها؟ هل يمكن استنباط وجوب حفظ الموارد الطبيعية وعدم الإفراط في استغلالها من روايات أهل البيت؟ يرى حجة الإسلام والمسلمين ياسر أمينيان – مدير مشروع «أسلوب حياة أهل البيت (عليهم السلام)» في معهد دراسات الفقه المعاصر – أن اهتماماً واضحاً بالموارد الطبيعية والبيئة يظهر في سيرة أهل البيت، لكن يجب الانتباه إلى أن الظروف البيئية في عصرهم كانت مختلفة تماماً عن ظروفنا اليوم. نص الحوار الحصري الذي أجرته «فقه معاصر» مع هذا الأستاذ وباحث الحديث في الحوزة العلمية بقم أمام أنظاركم:

فقه معاصر: هل نجد في السيرة العملية للمعصومين (عليهم السلام) نماذج تتعلق بوجوب حفظ الموارد الطبيعية؟

أمينيان: مصطلح «حفظ الموارد الطبيعية» اليوم يحمل معنى خاصاً: حماية الغابات والبحار وما إلى ذلك من المخاطر التي تهدد البيئة، كقطع الأشجار للاستفادة من أخشابها، أو تلوّث مياه الصرف الصناعي والمنزلي التي تُصبّ في البحار، إلخ. بهذا المعنى الاصطلاحي الخاص، لا نجد ربما نموذجاً أو مثالاً في سيرة أهل البيت؛ فلا تقارير عن النبي الأكرم أو سائر المعصومين (عليهم السلام) تبيّن أنهم كانوا قلقين على الغابات أو البحار وأصدروا أوامر لحمايتها. لكن إذا لم نحصر عبارة «حفظ الموارد الطبيعية» في هذا المعنى الاصطلاحي الضيّق، وأخذناها بالمعنى الأعم الذي يشمل كل اهتمام بالبيئة، فيمكننا القول: نعم، توجد نماذج في سيرة المعصومين (عليهم السلام):

  • تقارير تاريخية كثيرة تصف أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يؤسس البساتين والنخيل، ويحفر الآبار وما شابه. ثمرة جهوده كانت نخيل وبساتين وأوقاف بقيت حتى عهد الإمام الصادق (عليه السلام). اهتمامه بالعمران والإعمار كان بارزاً جداً.
  • تقارير واضحة تؤكد أن الإمام الباقر والإمام الصادق (عليهما السلام) كانا يمارسان الزراعة.
  • تقارير عن تردّد الإمام الكاظم والإمام الرضا (عليهما السلام) على البساتين والمزارع، مما يشير إلى أن لديهما بساتين ومزارع، وأنهما كانا «أهل دار وشجر»، ويمارسون الزراعة والبستنة بأنفسهم أو عبر عمّالهم وأجيرهم.

فقه معاصر: هل يمكن أن نعزو عدم اهتمام المعصومين (عليهم السلام) الجادّ بهذا الموضوع إلى عدم وجود أزمة موارد طبيعية في عصرهم؟

أمينيان: بالتأكيد هذا هو السبب. المعصومون (عليهم السلام) كانوا – بسبب مكانتهم ومسؤوليتهم الخاصة في المجتمع – يُسألون ويُستشارون في قضايا المجتمع ومشكلاته، فيجيبون ويعلّقون. لكن أسلوب حياة البشرية في ذلك العصر لم يكن قد أخلّ بتوازن النظام البيئي، ولم تكن الموارد الطبيعية تواجه تهديدات خطيرة؛ لذا لم تكن هذه القضية من المشكلات المطروحة في المجتمع الإسلامي، فلم يكن هناك داعٍ للمعصومين أن يصرّحوا بآراء مباشرة فيها، مع أنه يمكن استخلاص استحباب العمران وكراهة إلحاق الضرر بالبيئة من تعليماتهم العامة.

فقه معاصر: مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الجغرافية الخاصة للمعصومين (عليهم السلام) مثل الجفاف، وقلة السكان، وعدم استعمال الوقود الأحفوري… هل يمكن الاستناد إلى سيرتهم الإيجابية أو السكوتية للإنسان المعاصر الذي يعيش جغرافيا مختلفة تماماً؟

أمينيان: بالضبط للسبب نفسه الذي ذكرته في الجواب السابق، لا يمكن القول: لأننا لم نجد أمراً أو سيرة خاصة منهم بحفظ الموارد الطبيعية، إذن فالحفاظ عليها غير مطلوب. مثلاً: لو ورد أن شخصاً كان يقطع شجرة ورآه إمام معصوم فلم ينهه، لا يصح أن نستنتج أن قطع الأشجار وإزالة الغابات جائز؛ لأن قطع الأشجار في عصر الأئمة (عليهم السلام) لم يكن صناعياً وجماعياً، وإنما كان فردياً وبسيطاً.

فقه معاصر: كيف تقيّمون سيرة المعصومين (عليهم السلام) تجاه الحكام والشخصيات العلمية المعاصرة لهم في موضوع حفظ الموارد الطبيعية؟

أمينيان: من الشخصيات المعاصرة لهم، مالك بن أنس – أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة – قيل فيه: «لم يُعرف عملاً ولا تجارة ولا سعي لسفر أو صناعة»، أي لم يكن له عمل ولا تجارة، وكان همه كله طلب العلم. أما الإمام الباقر والإمام الصادق (عليهما السلام) – وهما معاصران لمالك – فكانا رغم كثرة انشغالهما العلمي يمارسان التجارة والزراعة أيضاً. ولم أرَ لسائر أئمة أهل السنة ذكر اشتغال بالزراعة.

Source: External Source