حجة الإسلام والمسلمين الدكتور محمد ملك‌زاده، في حوار حصري مع «فقه معاصر» يتناول:

فقه العلاقات الدولية: ماهيته، أبعاده وتحدياته/17

هل الأولوية من وجهة نظر الإسلام للحرب أم للسلم؟ في هذا المجال آراء مختلفة، لكن غالب الفقهاء يعطون الأصالة للسلم والتعايش في العلاقات مع الأجانب، إلا إذا اقتضت الضرورة الحرب.

إشارة: القواعد الفقهية في كل باب من أبواب الفقه لا تنظم عملية الاستنباط وتجعل نتائجها مختلفة عن الماضي فحسب، بل إنها تنضبط المعرفة وتجعلها منهجية أصلاً. موضوع حوارنا مع حجة الإسلام والمسلمين الدكتور محمد ملك‌زاده هو «قواعد فقه العلاقات الدولية». هو وإن كان قد نال الدكتوراه في العلوم السياسية، إلا أنه منذ سنوات يتخصص في بحث العلاقات الدولية الإسلامية بمعهد الثقافة والفكر الإسلامي. من كتبه في هذا المجال: «القوة الناعمة في العلاقات الدولية»، «دراسة نظريات العلاقات الدولية من منظور الإسلام»، و«استراتيجية المقاومة في العلاقات الدولية». حاول في هذا الحوار أن يذكر – إلى جانب تسمية القواعد الفقهية الدولية – أهم تطبيقات هذه القواعد في فقه العلاقات الدولية. نص الحوار الحصري الذي أجرته «فقه معاصر» مع الأستاذ المساعد في مجموعة السياسة بمعهد الثقافة والفكر الإسلامي أمام أنظاركم:

فقه معاصر: ما هو فقه العلاقات الدولية وما الذي يشمل؟

ملك‌زاده: قسّم علماء الإسلام – مستلهمين من بعض الروايات – تعاليم الإسلام إلى ثلاثة أقسام: العقائد، والأخلاق، والأحكام والقوانين العملية. والمراد هنا من «الفقه» هو «الأحكام والقوانين العملية في الإسلام». في المعنى اللغوي كلمة «فقه» تعني الفهم والإدراك؛ فهم يساعد على استنباط الأحكام الشرعية. والنشاط الذي يقوم به الفقيه لاكتشاف الحكم الإلهي يُسمّى استنباطاً أو اجتهاداً. الفقيه من خلال الاجتهاد يكتشف القوانين الإلزامية وغير الإلزامية التي شرّعها الله تعالى للبشر.

إذن، غاية الفقه اكتشاف الأحكام الإلهية. والقوانين الإلهية لم تُبيَّن بصورة محددة ودقيقة في جميع الوقائع والموضوعات، بما فيها موضوعات ومسائل العلاقات الدولية. وغاية فقه العلاقات الدولية أن يكتشف – من خلال الاجتهاد والرجوع إلى المصادر والأدلة الفقهية – الأحكام المتعلقة بمسائل العلاقات الدولية.

في ساحة العلاقات الدولية توجد إشكالات ومسائل كثيرة يتكفّل فقه العلاقات الدولية بدراستها، نذكر منها أمثلة:

مسألة الحرب والسلم من أهم مسائل فقه العلاقات الدولية في زماننا مسألة الحرب والسلم. هل الأولوية من وجهة نظر الإسلام للحرب أم للسلم؟ في هذا المجال آراء مختلفة، لكن غالب الفقهاء يعطون الأصالة للسلم والتعايش في العلاقات مع الأجانب، إلا إذا اقتضت الضرورة الحرب. الإمام الخميني (رحمه الله) يقول بناءً على مبناه الفقهي: «نحن تبعاً للإسلام دائماً ضد الحرب، ونريد أن يكون بين جميع الدول السلام والهدوء، لكن إذا فُرضت علينا الحرب فكل أمتنا مجاهدون».

من كلام الإمام يُستفاد أن المسلمين مع كونهم أصحاب شجاعة وأهل قتال، لا يسعون إلى الحرب والنزاع بلا سبب.

دار الإسلام ودار الحرب في فقه العلاقات الدولية الإسلامية حُدّدت الحدود بين المسلمين والأجانب باسم «دار الحرب» و«دار الإسلام». وبناءً على هذا التقسيم توجد أحكام فقهية متنوعة، جزء كبير منها يتعلق بفقه العلاقات الدولية. وفيما يتعلق بمفهوم هذا التقسيم ومعنى دار الحرب ودار الإسلام لم يُقدَّم تفسير واحد، بل توجد اختلافات.

فقه معاصر: ما هي القواعد الخاصة بفقه العلاقات الدولية؟ اذكر بعضها.

ملك‌زاده: القواعد الفقهية – بتعريف بسيط – صيغ عامة تكون مصدراً وأصلاً لاستخراج قوانين أضيق في موضوعات مختلفة. الفقيه يحلل موضوعات ومسائل العلاقات الدولية المختلفة بناءً على القواعد الفقهية. بعض القواعد الفقهية المهمة في العلاقات الدولية هي:

قاعدة العزة والكرامة في الإسلام أُكّدت الكرامة الإنسانية كمبدأ. وهذا المبدأ من أكثر المفاهيم شمولاً في قوانين حقوق الإنسان الدولية أيضاً. فمن وجهة نظر الإسلام والقواعد المعاصرة للعلاقات الدولية، البشر يتمتعون بالعزة والكرامة، ويجب على الجميع الالتزام بهذا المبدأ.

قاعدة لا ضرر بناءً على قاعدة «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام»، أي: لم يُشرَّع حكم ضرري في الإسلام. لا يجوز لأي دولة في ساحة العلاقات الدولية أن تلحق الضرر بدولة أو دول أخرى، وإذا ألحقت الضرر فعليها التعويض.

قاعدة نفي السبيل قاعدة نفي السبيل: «وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا» (النساء: ١٤١)، أي: لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً. بناءً على هذه القاعدة يُشكّك في نظام الهيمنة في الوضع العالمي الحالي، لأنه في الإسلام كل عمل يؤدي إلى تسلط الكفار على المسلمين غير جائز.

بعض مواد دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تشير إلى نفي الهيمنة هي:

  • المادة ٨١ (منع منح امتيازات اقتصادية للأجانب)،
  • المادة ٨٢ (منع توظيف خبراء أجانب إلا في حالات الضرورة وبموافقة المجلس)،
  • المادة ١٥٣ (منع أي عقد يؤدي إلى تسلط الأجانب على الموارد الطبيعية والاقتصادية والثقافة والجيش وغيرها)،
  • البند ٥ من المادة ٣ (طرد الاستعمار كلياً ومنع نفوذ الأجانب)،
  • البند ٨ من المادة ٤٣ (منع تسلط الاقتصاد الأجنبي على اقتصاد البلاد).

إذن، بناءً على مبدأ نفي السبيل أو نفي الهيمنة، تُشكّك التفاعلات الهيمنية في النظام الدولي الحالي بين الدول الإسلامية وغير الإسلامية.

الوفاء بالعهد والميثاق دليل هذه القاعدة الآية: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (المائدة: ١). المادة ١٠ من القانون المدني تقول: العقود المبرمة بين الدول – سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية – وكذلك العقود بين النظام الإسلامي والكفار التي تُبرم بناءً على مصالح، ما دام الطرف الآخر ملتزماً بها فهي واجبة التنفيذ، ولا يجوز للدولة الإسلامية نقضها.

قاعدة الشرط أهم دليلها الحديث النبوي: «المؤمنون عند شروطهم». بناءً على هذه القاعدة، كل شرط يُبرم بين الدولة الإسلامية وسائر الدول – إسلامية كانت أم غير إسلامية – على أساس صحيح، فهو واجب التنفيذ.

قاعدة حرمة الإعانة على الإثم بناءً عليها، يحرم مساعدة الظالمين والمستبدين في ارتكاب المعصية والظلم. لذلك لا يجوز للدولة الإسلامية أن تتعاون مع الدول الظالمة في ظلم الدول الأخرى.

قاعدة وجوب حفظ الدين في الإسلام حفظ الدين والنظام الإسلامي من أهم الواجبات، حتى إن الإمام الخميني اعتبر وجوبه أهم من الصلاة والصوم. وبناءً عليه، يجب على الدولة الإسلامية ألا تبخل بأي جهد أمام المعتدين والأعداء لحفظ الدين والنظام الإسلامي.

Source: External Source