ملاحظة: حجة الإسلام والمسلمين محمد علي القاسمي يزاول البحث والتدريس في مجال فقه الطب منذ نحو عقدين من الزمن. ومن الموضوعات التي بحثها في السنوات الأخيرة: دراسة فقهية للخلايا الجذعية. فقد تناول هذا الموضوع في «موسوعة فقه الطب» وفي مقالته «كاوشة فقهية في ملكية الأم على الخلايا الجذعية لدم الحبل السري». وبهذه المناسبة سألناه عن التحديات الفقهية لاستخدام الخلايا الجذعية. فقد رتّب مدير قسم فقه الطب في المركز الفقهي لأئمة الأطهار (عليهم السلام) هذه التحديات في سبعة أقسام، وقدّم لكل قسم أدلة وأمثلة. وهو يرى أن استخدام الخلايا الجذعية لا يُحدِث محرمية بين الأشخاص. وفيما يلي نص الحوار الخاص الذي أجرته مجلة «فقه معاصر» مع نائب رئيس البحوث في المركز الفقهي لأئمة الأطهار (عليهم السلام):
فقه معاصر: ما حكم استخدام الخلايا الجذعية للعلاج؟ وهل يمكن الحكم بحرمتها من خلال عناوين مثل «تغيير خلق الله» ونحوها؟
القاسمي: الخلايا الجذعية هي خلايا تمتلك القدرة على تجديد نفسها وإنتاج أعضاء الجسم، بل وترميم الأنسجة وإعادة بنائها. ويمكن عند الحاجة تقديم تعريف معياري أدق. أما جواب السؤال فهو: بعد دراسة الآيات المتعلقة بـ«تغيير خلق الله» والرجوع إلى التفاسير والاستثناءات الكثيرة في الكون، فإن مثل هذه المسائل لا تندرج تحت هذه الآيات؛ إذ المقصود منها تغيير دين الله تعالى والأمور المعنوية المتعلقة بالدين والشريعة الإلهية. وبالتالي فإن هذه الآيات لا تشمل استخدام الخلايا الجذعية. والتغييرات من هذا النوع في سبيل العلم والتقدم وعلاج الأمراض لا إشكال فيها بل تدخل تحت أصل الإباحة والجواز. وعليه فإن استخدام الخلايا الجذعية للعلاج، بل وحتى لأغراض غير علاجية، جائز ما لم يدخل تحت عنوان شرعي محظور، ولا مانع منه البتة.
فقه معاصر: ما التحديات الفقهية التي يثيرها استخدام الخلايا الجذعية؟
القاسمي: قبل الخوض في تفاصيل مسائل الخلايا الجذعية، يلزم جمع الأسئلة التي يمكن طرحها حول الخلايا الجذعية وتحدياتها الفقهية والقانونية وترتيبها منهجياً. وهنا أشير إلى بعض هذه الأسئلة:
القسم الأول: يتعلق بمعرفة الطبيعة الفقهية للخلايا الجذعية، مثل:
- ما هي طبيعة الخلايا الجذعية وموقعها الفقهي؟
- ما الفرق بين الخلايا الجذعية وسائر خلايا الجسم التي قد تُحدِث مسائل فقهية جديدة؟
- هل للخلايا الجذعية احترام إنساني أم لا؟
القسم الثاني: يتعلق بمشروعية استخراج الخلايا الجذعية من جسم الإنسان، مثل:
- هل يجوز أخذ الخلايا الجذعية من جسم إنسان حي؟
- هل يجوز استخراج الخلايا الجذعية من الأجنة المُسقطة أو المولودة ميتة أو التي تموت في الرحم؟
- هل يجوز استخراج الخلايا الجذعية من الأجنة الملقحة في الأنابيب المخبرية؟
- هل يجوز أخذ الخلايا الجذعية من الأجنة المجمدة؟
- هل يجوز أخذ الخلايا الجذعية من الحبل السري والمشيمة؟
- ما حكم استخدام الخلايا الجذعية الحيوانية لعلاج الإنسان؟
القسم الثالث: يتعلق بالأحكام التكليفية لاستخدام الخلايا الجذعية، مثل:
- هل يجوز إنتاج الخلايا الجذعية وزراعتها؟
- ما حكم استخدام الخلايا الجذعية لعلاج الأمراض؟
- ما حكم نقل الخلايا الجذعية من شخص إلى آخر، كزراعة نخاع العظم من شخص لآخر؟
- هل يجوز استخدام الخلايا الجذعية للتجديد والتجميل والأغراض غير الضرورية؟
القسم الرابع: يتعلق بالأحكام الوضعية للخلايا الجذعية، مثل:
- هل للشخص ملكية على خلاياه الجذعية؟
- ما حكم بيع وشراء الخلايا الجذعية؟
- ما حكم إنشاء بنوك الخلايا الجذعية؟
- هل يضمن من يأخذ خلايا جذعية لشخص بدون إذنه؟
- كيف تُحدَّد الدية أو الأرش للضرر الذي يصيب الخلايا الجذعية؟
القسم الخامس: يتعلق بالأحكام المرتبطة بالجنين والخلايا الجذعية المتصلة به، مثل:
- هل استخدام الخلايا الجذعية الجنينية يُعدّ تصرفاً غير شرعي في الجنين؟
- ما حكم التبرع بالجنين لاستخراج الخلايا الجذعية؟
- ما الأحكام المرتبطة بتجارب الخلايا الجنينية أو الخلايا المرتبطة بالجنين؟
القسم السادس: يتعلق بالأحكام المرتبطة بالاستنساخ وإنتاج الإنسان من الخلايا الجذعية، وتحته أسئلة كثيرة.
القسم السابع: يتعلق باستخدام الخلايا الجذعية في إنتاج اللحم الصناعي أو ما يُسمى اليوم «اللحم الأخضر» وتطبيقاتها غير الطبية.
هذه الأقسام السبعة تشكل الموضوعات الرئيسية لفقه الخلايا الجذعية.
فقه معاصر: مع قول أكثر الفقهاء إن «الإنسان ليس مالكاً لجسده»، فهل يحتاج استخدام الخلايا الجذعية إلى إذن صاحب الخلايا أو وليّه؟
القاسمي: وإن كان رأي أكثر الفقهاء أن الإنسان ليس مالكاً لأعضاء جسده، فإن هذا الرأي قابل للنقد في بعض جوانبه. ومع ذلك، فإن الفقهاء وإن لم يقبلوا الملكية على أعضاء الجسم، فإنهم يقرّون بحق الاختصاص أو حق الأولوية أو حق التقدم للشخص على أعضاء جسده؛ بمعنى أن أعضاء الجسم وإن لم تندرج تحت الملكية لفقدان بعض مكوناتها، فإنه ليس لكل أحد أن يتصرف فيها. والفقهاء يقرّون بحق الاختصاص أو الأولوية في التصرف لصاحب العضو. وعلى هذا الأساس توجد آراء متعددة (أربعة أو خمسة أقوال) كلها تؤدي إلى أنه لا يجوز التصرف في أعضاء الجسم – سواء المتصلة أو المنفصلة – بدون إذن الشخص. والأعضاء المنفصلة تبقى مرتبطة بالشخص وله عليها حق التقدم والأولوية والاختصاص. وعليه فلا يجوز البتة التصرف فيها بدون إذن صاحب العضو. والنتيجة أن خلايا كل شخص الجذعية تعود إليه، ولا يجوز التصرف فيها بدون إذنه.
فقه معاصر: بما أن مجرد «الرضاع» يُحدِث محرمية، فهل يُقال بطریق الأولى إن استخدام خلايا جذعية شخص لشخص من الجنس الآخر يُحدِث محرمية بينهما؟
القاسمي: الرضاع يُحدِث المحرمية في شروط خاصة. فليس كل رضاعة أو شرب لبن يُحدِث محرمية، بل للرضاع شروط وضوابط خاصة لإحداث المحرمية. أما الادعاء بأن استخدام الخلايا الجذعية يُحدِث محرمية بطریق الأولى فغير صحيح؛ لأن قياس الأولى يحتاج إلى إثبات، وما لم يثبت ذلك فإن نقل الحكم من موضوع إلى موضوع مشابه هو قياس لا يُقبل في فقه الشيعة ويُنفى. وعليه فإن مثل هذا القياس الأولى غير مثبت، ولا يمكن القول إن استخدام خلايا شخص الجذعية يُحدِث محرمية. كما أن قبول مثل هذا القياس يترتب عليه نتائج فقهية سلبية كثيرة غير مقبولة. والنتيجة أن استخدام الخلايا الجذعية لا يُحدِث محرمية.
فقه معاصر: ما هي القيود والضوابط الفقهية لاستخدام الخلايا الجذعية؟
القاسمي: بما أننا رتّبنا نظام المسائل المرتبطة بالخلايا الجذعية في سبعة أقسام كما ذكر في جواب السؤال الثاني، فإن كل قسم من هذه الأقسام قد يكون له قيود وضوابط خاصة. فقد يتعارض بعض استخدامات الخلايا الجذعية مع الكرامة الإنسانية، وقد يؤدي الاستخدام الواسع لها أو إنتاج بشر متشابهين بها إلى إخلال النظام، وقد لا يقبلها النظام الفقهي في بعض الحالات. وعلى كل حال لا يمكن القول بصورة موحدة أن هذه هي القيود الضرورية وهذه هي الضوابط الفقهية فقط؛ بل إن كيفية وسبب استخدام الخلايا الجذعية له دور في تحديد قيودها وضوابطها الفقهية. وعليه يلزم مناقشة كل سؤال وكل موضوع مرتبط بالخلايا الجذعية بشكل منفصل حسب قيوده وضوابطه في كل قسم حتى تتحدد القيود والضوابط الفقهية بدقة. وهذا السؤال – أي السؤال الخامس – يحتاج إلى دراسة دقيقة حالة بحالة وتفصيلية وحل المسألة في كل عنوان مرتبط بالخلايا الجذعية، وهو بحث مستقل ومفصل وطويل يشمل مباحث فقهية جديدة.
فقه معاصر: هل الكفر أو كون الشخص ولد زنا أو النفاق وغيرها من العناوين لدى صاحب الخلايا أو متلقيها يُحدِث قيداً في استخدامها؟
القاسمي: من المنظور الفقهي، الحكم الابتدائي هو أن استخدام خلايا هؤلاء الأشخاص الجذعية لا إشكال فيه بحد ذاته. وهذا مشابه للسؤال: هل المعاملة مع الكافر أو ولد الزنا أو المنافق أو من لهم عناوين مشابهة فيها إشكال أم لا؟ والجواب: لا، لا إشكال فقهي في ذلك. والفقه يجري في هذه الموارد أصل الجواز والإباحة، ولا مشكلة من جهة الاستخدام أو المعاملة أو أخذ الخلايا الجذعية من هؤلاء الأشخاص.
