غلامعلي معصومي‌نیا

تحليل الفقه المعاصر استناداً إلى نهج أدنى في الفقه/8

عندما نقول «تمليك الاقتصاد للشعب»، فإن مرادنا يتجاوز تلك النماذج. مراد تمليك الاقتصاد للشعب هو تهيئة الظروف لكي يتمكن جميع أفراد الشعب الراغبين في النشاط الاقتصادي من ممارسة نشاطهم بحسب قدراتهم؛ أحيانًا يريدون العمل بشكل فردي، وكثيرًا ما يضطرون – خاصة في الأعمال الكبرى – أو يفضِّلون العمل ضمن كيان جماعي. كل هذه الحالات داخلة في المراد. فكرة «تمليك الاقتصاد للشعب» هي فكرة إحداث ثورة في الاقتصاد كله.

إشارة: تمليك الاقتصاد للشعب الذي طرحه قائد الثورة قبل سنوات عدة، شهد في هذه السنوات تفسيرات مختلفة. بعضهم اعتبره مرادفًا للانتقال من الاقتصاد الحكومي إلى اقتصاد السوق وتصغير حجم الدولة. وآخرون فهموه بمعنى ضرورة نمو التعاونيات الصغيرة وتقليص سلطة الشركات الكبرى. وفريق ثالث صوَّره مرادفًا للخصخصة. غير أن حجة الإسلام والمسلمين غلامعلي معصومي‌نیا يرى أن تمليك الاقتصاد للشعب ليس شيئًا من هذه كلها. رئيس قسم الاقتصاد والمصارف في جامعة خوارزمي يُدرِّس ويبحث في الاقتصاد منذ سنوات، وله كتب ومقالات عديدة منها «الأخلاق الاقتصادية» و«تحليل ونقد النظام المالي السائد» و«دراسة فقهية اقتصادية لعقود السواب». عضو المجلس العلمي لمجموعة فقه الاقتصاد في معهد الدراسات الفقهية المعاصرة يتناول في هذه الملاحظة الخاصة أبعاد تمليك الاقتصاد للشعب المختلفة ويقارنه بالأنظمة الاقتصادية في العالم.

إن جعل الاقتصاد شعبيًا أصبح منذ مدة يُؤكَّد عليه أكثر من السابق. وهذه ظاهرة مباركة كان ينبغي أن تحدث منذ زمن بعيد. برأيي المتواضع، الطريق الوحيد لإنقاذ الاقتصاد من المشكلات القائمة والوصول إلى الأهداف الاقتصادية الإسلامية هو هذا التمليك الشعبي بالذات. جعل الاقتصاد شعبيًا لا يعني سيادة القطاع الخاص. للأسف فإن بعض المسؤولين وبعض أهل الرأي يُردِّدون دائمًا ضرورة سيادة القطاع الخاص والخصخصة، بينما «الخصخصة» مفهوم رأسمالي. في النظام الرأسمالي الأصالة للرأسمال. عمليًا، أصحاب الرأسمال الكبير هم المتحكمون الرئيسيون في الاقتصاد، وعموم الناس أجراء عندهم. وهذا نتيجة حتمية لحاكمية مقولتي «الحرية الاقتصادية» و«التنافس الدارويني». أهمية التنافس في هذا النظام كبيرة جدًا حتى سُمِّي «نظامًا تنافسيًا». عمليًا، حين يبدأ التنافس تتقدم مجموعة قليلة على الآخرين، ولا يبقى للباقين خيار سوى العمل لديهم مقابل أجر محدد، وإلا بقوا عاطلين. آلاف القوى العاملة ذات الاختصاصات المتنوعة تبذل كل ما في وسعها. كما قال لوي بلان: «التنافس قاتل التنافس». في هذه الحالة، التأكيد الكبير على دعم الملكية الخاصة يصب أكثر ما يصب في مصلحة أصحاب الرأسمال الكبير. وبعبارة أدق، النظام القانوني والتشريعي يحمي في المقام الأول مصالح هذه الطبقة.

سيادة القطاع الخاص أم تحقق النظام الرأسمالي؟

في الحقيقة، مفهوم سيادة القطاع الخاص ليس إلا تحقيق النظام الرأسمالي. من خصائص مثل هذا النظام:

  • القوة العاملة مضطرة للعمل وإلا طُردت.
  • الإنتاج لا يهدف إلى سد الحاجة، بل تُنتَج سلع يمكنها أن تحقق أكبر ربح للمنتِج؛ لذا ليس بالضرورة أن تُسدَّ الحاجات بإنتاج السلع إلا إذا كان الإنتاج يحقق أقصى ربح للمنتج. الحاجات الحيوية ليست أولى من غيرها الذي يجلب ربحًا أكبر للمنتج. (نمازي، الطبعة الخامسة، ١٣٨٧هـ.ش، ص١١١)

ماهية تمليك الاقتصاد للشعب وآثاره

في المقابل، جعل الاقتصاد شعبيًا وتمليكه للشعب مفهوم إسلامي. بتأمل التعاليم الإسلامية نجد أن عامة الناس يجب أن يتولوا النشاطات الاقتصادية، فيقوم بها الناس ويستفيدوا من ثمرتها. ولهذا آثار كثيرة، منها:

  • بلوغ دافعية جميع الفاعلين أقصاها.
  • تقدم الاقتصاد مع تحقق العدالة الاقتصادية عمليًا.
  • بسبب حاكمية تعاليم الإسلام تُنتَج سلع تصب في مصلحة المجتمع.

بدراسة الأحكام الإسلامية النورانية يتضح أن هذه التعاليم مترابطة، ولها أسس متمايزة تمامًا عن غيرها من الأنظمة، وشُرِّعت لتحقيق أهداف خاصة. بحسب رأي فقهاء الشيعة، الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد الحقيقية. وبما أن الله خالق العالم وخالق الإنسان ومدبره، فقد وضع أحكام دينه على أساس جميع حقائق العالم وحقيقة الإنسان ومصلحته ومكانته في هذا العالم وفي العالم الآخر الذي هو دار القرار، وضعها ككل مترابط.

مسار الفكر الاقتصادي الغربي

لتوضيح الفرق بين تمليك الاقتصاد للشعب وبين المذاهب الاقتصادية الأخرى، يناسب أن نلقي نظرة عامة على مسار الفكر الاقتصادي الغربي في هذا المجال:

  1. المدرسة الكلاسيكية (Classical School) منذ ظهور الاقتصاد الكلاسيكي عام ١٧٧٦ اعتمد على تحديد أجر القوة العاملة عبر آلية السوق: «طريقة تحديد الأجر عند آدم سميث تشبه تحديد سعر أي سلعة أخرى، وفي المدى القصير يحدده العرض والطلب… أما في المدى الطويل فيحدده الحد الأدنى للمعيشة للعمال». (تفضلي، ١٣٩٢هـ.ش، ص١١٨) حاكمية هذا الفكر جعلت أرباب العمل يستخدمون أقصى طاقة القوة العاملة ويدفعون لهم – بحسب نظرية ريكاردو في «أجر الحديد» – أقل أجر ممكن. جون ستيوارت مل من الاقتصاديين الكلاسيكيين الذي قيل عنه: «به بلغ علم الاقتصاد الكلاسيكي قمة علوِّه، وبه بدأ ينهار» (شارل ژيد وشارل ريست، ١٣٧٠هـ.ش، ج١، ص٥٦٣). كان في بداية حياته العلمية مؤيدًا لفكر الكلاسيكيين الأوائل، لكنه بعد رؤية النتائج انتقدها، وقال صراحة: «ينكر عقيدة الاقتصاديين الكلاسيكيين بأن نصيب كل فئة من الشركاء – أي أجر العامل وربح رب العمل وفائدة صاحب الرأسمال – يُحدَّد بالضرورة بموجب قوانين طبيعية ثابتة، وأن إرادة الإنسان لا تأثير لها أمامها». (المصدر نفسه، ص٥٨٨) وسمَّى النظام السائد «نظام الأجرة» وقال: «نظام الأجرة مُهين للشخصية؛ لأنه يحرم الإنسان من أي تملُّك لمنتوج عمله ويُفقِر عامة الناس»، فاقترح: «بدلاً منه نظام تعاوني بين العمال أنفسهم على أساس مساواة الحقوق والملكية الجماعية لرأسمال الورشة، تحت إدارة مديرين منتخبين وقابلين للعزل من قبلهم». (المصدر نفسه، ص٥٩٠)
  2. المدرسة الماركسية (Marxism School) العلاقات التي نشأت بين القوة العاملة وأرباب العمل أدت إلى احتجاجات واسعة من العمال في أواخر القرن الثامن عشر والنصف الأول من القرن التاسع عشر. في هذه الظروف ظهر ماركس. نظرية ماركس كانت في الحقيقة رد فعل تجاه نظرية الكلاسيكيين. يرى ماركس أن كل القيمة للقوة العاملة. بحسب نظرية «قيمة العمل» يعتبر ماركس كل القيمة الزائدة ملكًا للقوة العاملة، ومستلهمًا نظرية «الأجور الحديدية» لريكاردو، يرى أن العامل – لأنه لا يملك أدوات الإنتاج – يحصل فقط على الحد الأدنى من الأجر، وكل القيمة المضافة تذهب لرب العمل: «بما أن المجتمع الرأسمالي قائم على دافع الربح وأن الرأسماليين يملكون أدوات الإنتاج، فهم في وضع يمكنهم من استغلال العمال. الإنتاج يتم بآلاف العمال في المصانع، بينما قيمة منتوج عملهم تذهب كربح إلى جيوب الرأسماليين…» (تفضلي، ص١٩٤)
  3. المدرسة النيوكلاسيكية (Neoclassical School) منذ حوالي عام ١٨٧٠، أعاد النيوكلاسيكيون بناء أسس الكلاسيكية بعد ضربات ماركس، وباستفادة من تشخيصه. مع بقائهم على المبادئ الأساسية للكلاسيكيين، بنوا لها هيكلاً متينًا لا يزال – بعد تقلبات كثيرة – يشكل الهيكل الرئيسي للرأسمالية. أحيوا الاقتصاد الكلاسيكي بعد ضربات ماركس وعبَّروا عنه بلغة رياضية. في كتب الاقتصاد الكلي يُذكَر التحليل النيوكلاسيكي لسلوك المنتِج. يستمر المنتِج في توظيف القوة العاملة حتى يصبح W = P.MPL؛ أي حتى يتساوى الأجر المدفوع لآخر عامل مع القيمة النقدية لإنتاجيته الحدية. معنى هذه العلاقة أن قيمة إنتاج العامل قبل الوصول إلى هذه النقطة أكبر من الأجر، وكل هذه القيمة الزائدة تذهب لرب العمل. واضح أنه في الإنتاج الضخم تكون مجموع هذه المبالغ هائلة. نتيجة ذلك مليارديرات كبار هم اليوم المتحكمون الرئيسيون لا في الاقتصاد فقط، بل في الثقافة والسياسة العالمية أيضًا. معناه أن القوة العاملة تحصل فقط على أجر ثابت، لكن كل «القيمة الزائدة» تذهب لرب العمل. بعد ظهور النيوكلاسيكيين ازداد وضع القوة العاملة سوءًا: «منذ عام ١٨٧٠ فصاعدًا، صارت السلطة السياسية والاقتصادية بيد الشركات المساهمة الكبرى، والدولة التي تدعي وجود نظام حر وبعيد عن التدخل الكبير كانت تتصرف بشدة في خلافات العمال وأرباب العمل عبر القوات الأمنية». (تفضلي، ص٤١٩) ثم جاء الركود والكساد الكبير عام ١٩٢٩. رأى كينز أن جذر الأزمة نقص الطلب الفعال. يمكن القول إن مالتوس تنبأ بهذا منذ البداية. منذ ذلك الحين، ولحل المشكلة وحفظ النظام الرأسمالي، شُرِّعت قوانين داعمة للقوة العاملة. ومع ذلك لا يزال جوهر النموذج محفوظًا، بحيث لا تزال القاعدة المذكورة محور التحليلات الكلية حتى مع ظهور مذاهب جديدة في الاقتصاد. لا يزال أرباب العمل والشركات يتخذون القرارات على أساس ذلك المعيار. مستوى أجر القوة العاملة حتى لو أمكن رفعه في المدى القصير، يعود في المدى الطويل إلى الحد الأدنى للمعيشة.

مدخل الإسلام إلى المذاهب الاقتصادية الغربية

بعض الباحثين عند مواجهة الاقتصاد الغربي للتعبير عن الرؤية الإسلامية تناولوا معايير الأجر العادل وطرحوا كلامًا جيدًا. مثلًا ورد التوصية بأن «على الدولة عبر سياسات الضمان الاجتماعي أو دفع الدعم المباشر أن تؤمِّن الحد الأدنى لمعيشة العمال. وإذا طُبِّقت سياسة الحد الأدنى للأجر فعلى الدولة أن تعتبر المقدار المنقوص من حصة رب العمل من الإنتاج بسبب هذه السياسة ضريبة مدفوعة من المنشأة». برأيي ينبغي أن يكون نظرنا إلى هذه المسألة أكثر أساسية. بعبارة أخرى، تناول مثل هذه المواضيع بهذه الطريقة يحمل نوعًا من الانفعال؛ لأنه يتم داخل الإطار الرأسمالي القائم. النظر الفعال يقتضي أولاً أن ننظر إلى البنى القائمة بمعايير إسلامية، ثم نرى ماذا يجب فعله داخل الإطار القائم؟ هنا في المقام الأول نلقي نظرة على البنى القائمة من المنظور الإسلامي:

بنية رب العمل – القوة العاملة الرأسمالية من منظور الفقه

تقدم أن البنية المذكورة لا تتوافق مع الموازين الإسلامية. في هذه البنية لا يُعطى حق القوة العاملة. بل إن كرامة الإنسان وشأنه لا تُراعى. يناسب الرجوع إلى النصوص. هنا نطرح المسألة بنظر فقهي. في بحوث أخرى يمكن استقصاء المناظر الأخرى. أحد الأبعاد المهمة هو كيفية البنى الإنتاجية. منذ الثورة الصناعية صارت جماهير واسعة من القوة العاملة تعمل كأجراء لدى رب العمل بأجر ثابت. كما ظهر مفهوم «الشركة المساهمة» وقيل إن القوة العاملة تشارك في ملكية الوحدات الإنتاجية. مسائل فقهية مهمة في هذا الصدد يجب تناولها منفصلة.

كراهة شديدة لتأجير القوة العاملة نفسها النصوص في تأجير القوة العاملة نفسها قسمان: قسم يجيزها، وقسم يراها مكروهة. الفقهاء الكبار منذ القدم سعوا للجمع بين الأدلة:

الآيات والروايات المجيزة: آيات مجيزة: في القرآن آيات عديدة عن الإجارة تفترض صحتها، مثل:

  1. إذا كنّ النساء المطلقات حوامل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن، فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن (الطلاق:٦). هنا المطلقة مؤجرة للأب وعليه دفع أجرتها.
  2. قال الخضر لموسى (عليهما السلام): «لو شئت لاتخذت عليه أجرًا» (الكهف:٧٧).
  3. قال شعيب لموسى (عليهما السلام): «إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتيَّ هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرًا فمن عندك» (القصص:٢٧).

روايات مجيزة:

  1. الإمام الصادق (عليه السلام) في تحف العقول: «فإجارة الإنسان نفسه… فلا بأس أن يكون أجيرًا يؤجر نفسه أو ولده أو قرابته…».
  2. أمير المؤمنين (عليه السلام): «… أخبرنا الله أن الإجارة أحد معايش الخلق…».
  3. عمل أمير المؤمنين (عليه السلام) أجيرًا ليهودي يستقي الماء بدلو مقابل تمرة لكل دلو.

روايات ترى التأجير مكروهًا: نذكرها حسب ترتيب الوسائل:

  • رواية مفضل بن عمر عن الإمام الصادق (عليه السلام): «من آجر نفسه فقد حظر على نفسه الرزق».
  • رواية عمار الساباطي عن الإمام الصادق (عليه السلام): شخص يستطيع التجارة، لكن لو آجر نفسه لأعطي قدر ما يحصل في تجارته، فقال: «لا يؤاجر نفسه بل يسترزق الله عز وجل ويتجر، فإنه إذا آجر نفسه حظر على نفسه الرزق».

الجمع بين الأدلة: الجمع الأول: تخصيص الروايات المانعة بحالة الاستئجار الدائم (مزدور شدن). الجمع الثاني (الأفضل): استفادة من تعليل الإمام (عليه السلام): «وكيف لا يحظره وما أصاب فيه فهو لربِّه الذي آجره؟». فكلما لم يُعطَ حق القوة العاملة كاملاً كان التأجير مكروهًا. العلامة المجلسي الأول: الكراهة لأن صاحب العمل قلما يفي بحق العامل، أما إذا أوفى زالت الكراهة.

الحكم الفقهي لبنى الإنتاج: المطلوب أن يعمل عامة أصحاب القوة العاملة لأنفسهم. هذا معنى جعل الاقتصاد شعبيًا. الشيخ الطوسي عن النبي (صلى الله عليه وآله): «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة… منهم رجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يوفه أجره». لذا ففي كثير من الأحيان السعر السوقي ليس سعرًا عادلًا. في بنية النظام الرأسمالي يسيطر الرأسماليون الكبار على الاقتصاد، وجزء كبير من نتاج القوة العاملة يذهب لرب العمل. حين كانت العلاقات بين رب العمل والأجير بسيطة جدًا في ذلك الزمن، رأى الإسلام التأجير بهذه الصفات مكروهًا، فكيف يمكن اعتبار الأجر المحدد في هذه البنية عادلًا؟

الاقتصاد الشعبي؛ البنية الاقتصادية المثلى في الإسلام

الوضع الإسلامي المثالي هو «اقتصاد شعبي». معنى جعل الاقتصاد شعبيًا أن تُعرَّف البنى والعلاقات بحيث يستفيد العامل كاملاً من نتاج جهده وابتكاره. من واجبات النظام الإسلامي المهمة تصميم وتنفيذ بنى مناسبة تحفظ كرامة العامل وتجعله مستفيدًا من نتاج عمله. في الغرب أيضًا سعى مفكرون وجماعات إلى نماذج بديلة مثل «الاتحاد الدولي للتعاون» و«موندراغون». هذه النماذج نُفِّذت في دول مختلفة وحققت نجاحات. مثال: بحسب أحدث تقرير للرصد العالمي للتعاونيات عام ٢٠٢٣، بلغت دوران ٣٠٠ تعاونية عالمية كبرى ٢٤٠٩.٤١ مليار دولار.

ليس المقصود تأييد هذه النماذج كاملة. لكن بما أن النماذج الليبرالية تهيمن على الأدبيات الاقتصادية، فالالتفات إلى النماذج المنافسة وأدائها يمكن أن يؤثر في الأفكار. يجب تقييم هذه النماذج دائمًا. لتصميم بنى جماعية في إطار الضوابط الإسلامية ولتفعيلها يجب الاستفادة من كل الأفكار والتجارب، مثل نماذج الأعمال في القطاع الحقيقي ونماذج التمويل الأصغر في القطاع المالي، بشرط أن تكون ضمن الضوابط الإسلامية دون التقاط.

الأمر المهم جدًا أنه حين نقول «تمليك الاقتصاد للشعب» فمرادنا يتجاوز هذه النماذج. مراد تمليك الاقتصاد للشعب هو تهيئة الظروف لكي يتمكن جميع أفراد الشعب الراغبين في النشاط من ممارسة نشاطهم بحسب قدراتهم، أحيانًا فرديًا وكثيرًا في إطار كيان جماعي، خاصة في الأعمال الكبرى. كل ذلك مراد. فكرة «تمليك الاقتصاد للشعب» هي فكرة إحداث ثورة في الاقتصاد كله.

ختامًا، قول قائد الثورة: «من أهم متطلبات تنفيذ شعار مهار التضخم ونمو الإنتاج هو إشراك الشعب؛ مسألة حاسمة ومهمة جدًا. لقد كنا ضعفاء في هذا المجال على مدى سنوات طويلة. إذا استطعنا – ليس في الكلام الذي دائمًا قلناه، بل في العمل – أن نجذب مشاركة الشعب، فإن نمو الإنتاج سيكون قطعيًا. ما يولِّد نمو الإنتاج قطعيًا هو حضور الشعب في الإنتاج؛ في مختلف القطاعات، من الإنتاجات الصغيرة إلى الكبرى بواسطة الشعب. هذا النمو نفسه يؤثر في مهار التضخم». (١٥/١/١٤٠٢)

تذكير بعدة نقاط مهمة:

  • في البنى غير المثلى القائمة يجب أن تكون معيار «العدالة» أساس العلاقات قدر الإمكان.
  • كثير من الفقهاء يحرمون أخذ الأجر على الواجبات المعينة. في القضاة: إذا كان القضاء واجبًا عينيًا يمكنه الارتزاق من بيت المال عند الحاجة، لا أن يأخذ أجرًا.
  • للدولة الإسلامية أدوات كثيرة؛ مثل الأنفال التي تشمل معظم الثروات الطبيعية ملك للدولة، لكن ليس معناه أن تتولى التصدي في كل مكان. الإسلام أراد أن تكون صلاحيات الدولة واسعة لتتمكن بالتخطيط والإشراف الصحيح وباستخدام الطاقة الشعبية العالية جدًا من إيجاد أفضل وضع.
  • بعضهم يعتبر تمليك الاقتصاد للشعب مرادفًا للأعمال الصغرى، بينما هو واسع جدًا ويشمل كل المجالات الصغرى والكبرى. يجب أن يصبح الاقتصاد كله شعبيًا.
  • الإسلام من جهة يكره التأجير، لكنه إذا حصل فقد شرع للعامل واجبات كثيرة.
  • شرط نجاح البنى المثلى في القطاع الحقيقي هو تحول جذري في القطاع المالي.
  • تجربة الخصخصة في بلادنا لم تنجح، وكان لها منذ البداية مشكلة نظرية.
  • في النهاية يُذكَّر أن مسألة تمليك الاقتصاد للشعب لها أبعاد كثيرة فقهية وغير فقهية سيتم بحول الله تناولها في بحث واسع.
  • المراجع

    • السيد البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج١٩، قم، مطبعة مهر، ١٤١١هـ – ١٣٧٠هـ.ش.
    • تفضلي، فريدون، تاريخ العقائد الاقتصادية، طهران، نشر ني، ١٣٩٢هـ.ش، الطبعة الحادية عشرة.
    • الحر العاملي، وسائل الشيعة، طهران، المكتبة الإسلامية، ج١٣، بلا تاريخ.
    • شارل ژيد وشارل ريست، تاريخ العقائد الاقتصادية، ترجمة الدكتور كريم سنجابي، منشورات جامعة طهران، تير ١٣٧٠هـ.ش، الجزء الأول.
    • الشيخ الطوسي، الخلاف، ج٣، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، ١٤١١هـ.
    • الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج٣، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة الثانية، ١٤٠٤هـ.
    • عسكري، محمد مهدي، بررسي سياسة تعيين الحد الأدنى للأجور في الاقتصاد الإسلامي، فصلية اقتصاد وبنكداري إسلامي العلمية الترويجية، العدد ٢٣.
    • الفيض الكاشاني، الوافي، ج١٧، أصفهان، مركز التحقيقات الدينية والعلمية في مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، الطبعة الأولى، شوال ١٤١٢هـ.ق، أرديبهشت ١٣٧١هـ.ش.
    • المجلسي (الأول)، محمد تقي، روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، ج٦، قم، مؤسسة الثقافة الإسلامية، المطبعة العلمية، بلا تاريخ.
    • نمازي، حسين، الأنظمة الاقتصادية، طهران، شركة النشر المساهمة، الطبعة الخامسة، ١٣٨٧هـ.ش.

    [١] مثل: عسكري، محمد مهدي، بررسي سياسة تعيين الحد الأدنى للأجور في الاقتصاد الإسلامي، فصلية اقتصاد وبنكداري إسلامي العلمية الترويجية، العدد ٢٣، ١٣٩٧هـ.ش.

    [٢] ﴿وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ (الطلاق: ٦).

    [٣] ﴿فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ ۚ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ (الكهف: ٧٧).

    [٤] ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ﴾ (القصص: ٢٧).

    [٥] علي بن الحسين المرتضى في رسالة (المحكم والمتشابه)، نقلاً من تفسير النعماني بسنده عن علي (عليه السلام) في بيان معايش الخلق: «وأما وجه الإجارة فقوله عز وجل: ﴿وَنَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ فأخبرنا سبحانه أن الإجارة أحد معايش الخلق إذ خالف بحكمته بين هممهم وإرادتهم وسائر حالاتهم وجعل ذلك قوامًا لمعايش الخلق…» (السيد البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج١٩، قم، مطبعة مهر، ١٤١١هـ – ١٣٧٠هـ.ش، ص١٢).

    [٦] أن عليًا (عليه السلام) آجر نفسه من يهودي ليستقي الماء كل دلو بتمرة، فجمع التمرات وحملها إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فأكل منها. (المصدر نفسه).

    [٧] «مَنْ آجَرَ نَفْسَهُ فَقَدْ حَظَرَ عَلَى نَفْسِهِ الرِّزْقَ. وفي رواية أخرى: وكيف لا يحظره، وما أصاب فيه فهو لربِّه الذي آجره؟!» (الحر العاملي، وسائل الشيعة، طهران، المكتبة الإسلامية، ج١٣، بلا تاريخ).

    [٨] روى عبد الله بن محمد الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «من آجر نفسه فقد حظر عليها الرزق، وكيف لا يحظر عليها الرزق وما أصاب فهو لرب آجره» (الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج٣، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، ١٤٠٤هـ).

    [٩] روى محمد بن خالد البرقي، عن محمد بن سنان، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «سألته عن الإجارة فقال: صالح لا بأس بها إذا نصح قدر طاقته، قد آجر نفسه موسى بن عمران (عليه السلام) واشترط قال: إن شئت ثمانيًا وإن شئت عشرًا فأنزل الله تعالى فيه: أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرًا فمن عندك».

    [١٠] الكافي عن عمار الساباطي: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يتجر، فإن هو آجر نفسه أعطي ما يصيب في تجارته، فقال: «لا يؤاجر نفسه، ولكن يسترزق الله عز وجل ويتجر، فإنه إذا آجر نفسه حظر على نفسه الرزق».

    [١١] https://eshia.ir/feqh/archive/text/javadi/feqh/92/930118/

    [١٢] «والأولى أن يحمل المنع ما إذا استغرقت أوقات المؤجر كلها بحيث لم يبق لنفسه منها شيء… وأما إذا كانت بتعيين العمل دون الوقت كله فلا كراهية فيها كيف وقد كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يؤاجر نفسه للعمل ليهودي وغيره» (الفيض الكاشاني، الوافي، ج١٧، أصفهان، مركز التحقيقات الدينية والعلمية في مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، الطبعة الأولى، شوال ١٤١٢هـ.ق، أرديبهشت ١٣٧١هـ.ش، ص١٤٩).

    [١٣] https://saanei.xyz/?view=01,02,10,2486,0 (المرحوم آية الله الصانعي).

    [١٤] … قال سألته عن الإجارة أي إجارة النفس مدة معلومة كالبناء يؤجر نفسه كل يوم بدرهمين مثلاً أو ليكون أجيرًا بمنزلة العبيد ويسعى في حوائج المؤجر «فقال صالح: جائز، إذا نصح قدر طاقته»؛ أي إذا عمل مراعيًا حق المستأجر بقدر ما يطيق كما آجر نفسه موسى (عليه السلام) لشعيب (عليه السلام) بالثمان أو العشر فنصح وأتم الأكمل الذي هو العشر فكراهتها لأجل أنه قليلاً ما يفي بالشرط ومراعاة حق المستأجر، أما إذا وفي زالت الكراهة… (محمد تقي المجلسي الأول، روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، ج٦، قم، مؤسسة الثقافة الإسلامية، المطبعة العلمية، بلا تاريخ).

    [١٥] أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: … ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يوفه أجره» (الشيخ الطوسي، الخلاف، ج٣، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، ١٤١١هـ، ص٤٨٦).

    [١٦] الاتحاد الدولي للتعاون جمعية دولية غير ربحية أُسِّس عام ١٨٩٥ للنهوض بنموذج التعاون. يُعَدّ رأس جميع المنظمات التعاونية في العالم ويمثل ٣٠٦ اتحادًا ومنظمة تعاونية في ١٠٥ دول. https://B2n.ir/tu4747

    [١٧] https://B2n.ir/bj4705

    [١٨] https://B2n.ir/th6403

Source: External Source