أستاذ درس خارج الفقه والأصول في الحوزة العلمية بقم، في حوار خاص مع «فقه معاصر»:

دراسة الأبعاد الفقهية للعنف ضد الزوجة/9

يمكن للمرأة أن تصبح مجتهدة، ويمكن للآخرين أن يقلّدوها، لكنها لا تملك الولاية على القضاء وإدارة المجتمع. سبب عدم الجواز هذا أيضاً الأدلّة الروائية الكثيرة في المسألة، لا أن الفقهاء الرجال يسلبون هذه الولاية من النساء عمداً. يبدو أن هذه الاتّهامات ناتجة عن رواسب الفيمينيزم في أذهان بعضهم؛ وإلا فإننا لا نلاحظ مثل هذا الأمر في الفقهاء.

إشارة: لا شكّ في أن أحكام المرأة والرجل في الإسلام مختلفة في بعض الحالات. لكن ما سبب هذا الاختلاف؟ يرى بعضهم أن السبب اختلافات المرأة والرجل في الخلقة، مما يستلزم جعل أحكام مختلفة لهما. في الجانب الآخر، الذين يصرّون على ضرورة مساواة حقوق المرأة والرجل في جميع الحالات، يرون هذه الاختلافات الحكمية ناتجة عن وجود نظرة ذكورية بين الفقهاء تجاه النساء، وكعامل لتجويز العنف ضدّ النساء. برأيهم، لو كان هناك مجتهدات كثيرات وتولّين استنباط الأحكام، لكانت النتائج الفقهية مختلفة. طرحنا هذا السؤال على آية الله جعفر نجفي بستان، أحد الأساتذة البارزين في درس خارج الفقه والأصول في الحوزة العلمية بقم. بيّن بعض الأحكام التي تختلف فيها المرأة عن الرجل، ورأى سبب هذا الاختلاف الأدلّة الفقهية لا وجود نظرة ذكورية بين الفقهاء أو نهج عنف ضدّ النساء. مذكّرة شفاهية هذا الأستاذ في درس خارج الفقه والأصول في الحوزة العلمية بقم، تمرّ أمام نظركم:

أولاً: في طول التاريخ كان لدينا نساء فاهمات وفقيهات قليلات، لكن عدم ذهاب النساء إلى هذا المجال وعدم تخصّصهن لا يعني أن عنفاً قد وقع عليهن. نعم، كانت الظروف أفضل للرجال للوصول إلى الفقاهة فوصلوا إليها، أما للنساء فكانت هذه الظروف أقل توفّراً.

لكن يجب الالتفات إلى أن اجتهاد النساء لا يختلف عن اجتهاد الرجال؛ إذا وصل أحد إلى درجة الاجتهاد وأفتى، فلا فرق أكان امرأة أم رجلاً. يمكن للنساء الدراسة والوصول إلى درجة الفقاهة، ولم يعارض أي فقيه هذا الأمر حتى الآن. في هذه النقطة لا فرق أن تصبح مجتهدة مطلقة أو مجتهدة متجزّئة، لأن الفقهاء وافقوا على وصول النساء إلى كلا الدرجتين ولا معارضة في الأمر.

قد يُطرح هذا السؤال: هل يمكن للمرأة المجتهدة أن تكون في زمانها الأعلم وأكثر علماً من جميع المجتهدين رجالاً ونساءً؟ الجواب: نعم؛ له إمكانية ذاتية وإمكانية وقوعية؛ بالطبع حتى الآن بسبب ظروف وأسباب مختلفة لم يحدث هذا الأمر، لكن في أصل إمكانية هذه المسألة لا شكّ ولا مانع ولا أحد عارضها.

سؤال آخر قد يُطرح: هل إذا وصلت امرأة إلى مرحلة الفقاهة يمكنها العمل برأيها؛ أي امرأة وصلت إلى درجة الاجتهاد – سواء كانت أعلم أم غير أعلم – وتريد ألا تقلّد بعد الآن وتعمل بآرائها؛ الجواب: ليس جائزاً فقط بل واجب، ولم يعارض أي مجتهد هذا الأمر حتى الآن.

المسألة التالية: هل يمكن للآخرين تقليدها أم لا؟ هنا يجب أن أعطي هذا التوضيح: الاجتهاد يجلب للفرد ثلاث خصائص: الأولى جواز الإفتاء، الثانية جواز القضاء بين الناس في الخصومات، والثالثة الحكومة وإدارة المجتمع في حدّ الحسبة.

في شأن جواز تقليد الآخرين للمرأة المجتهدة، يبدو أنه لا مشكلة؛ بالطبع في حالات الحدود والقصاص والديات، بما أنها مستلزمة ولاية المرأة على الآخرين، فبناءً على الروايات لا يجوز.

السؤال الثاني: هل إدارة الحكومة من قِبلها جائزة؟ الجواب: الفقيه، بناءً على جميع النظريات في الحكومة، يمكنه إدارة المجتمع. إذا قبلنا نظرية صاحب الجواهر في الولاية المطلقة للفقيه، يمكنه إدارة المجتمع بناءً على الأحكام الشرعية. إذا التزمنا بنظرية ولاية الفقيه للإمام، الذين يعتقدون أن الفقيه يمكنه العمل بناءً على المصلحة وحتى نقض الأحكام الأولية، فالفقيه له مثل هذه الصلاحية أيضاً. بناءً على نظرية الشهيد الصدر في وجود منطقة الفراغ، يمكنه الحكم وحتى تغيير الأحكام. لكن أمر الحكومة بما أنه مستلزم ولاية النساء على الآخرين منهم الرجال، وبما أن هذه الولاية نفيت في روايات كثيرة، لا يمكننا القول بجواز حكومة النساء.

سؤال آخر: جواز القضاء من قِبل المرأة المجتهدة. هنا نواجه مشكلة، وهي أن في الروايات استُخدمت كلمة «رجال»، وبناءً عليها لا يمكننا قبول جواز قضاء النساء. الأدلّة على اشتراك الأحكام بين المرأة والرجل أيضاً بما أنها لبّية يجب الاكتفاء بقدر المتیقّن منها، وبالتالي لا يمكن بالتمسّك بها إثبات جواز قضاء النساء كالرجال؛ لذا جواز قضاء النساء مشكل. نحن لا نفهم فلسفة كثير من الأحكام، وهنا أيضاً قد يكون هناك نقطة ما في الروايات المختلفة التي صرّحت بلزوم القضاء من قِبل الرجال وبألا تُعطى ولاية الرجال إلى النساء. لكن لا يمكن تسمية هذا العمل عنفاً ضدّ النساء وقول إن الفقه ذكوري.

الخلاصة: يمكن للمرأة أن تصبح مجتهدة، ويمكن للآخرين أن يقلّدوها، لكنها لا تملك الولاية على القضاء وإدارة المجتمع. سبب عدم الجواز هذا أيضاً الأدلّة الروائية الكثيرة في المسألة، لا أن الفقهاء الرجال يسلبون هذه الولاية من النساء عمداً. يبدو أن هذه الاتّهامات ناتجة عن رواسب الفيمينيزم في أذهان بعضهم؛ وإلا فإننا لا نلاحظ مثل هذا الأمر في الفقهاء.

Source: External Source