جاء في اللقاء العلمي "مجال الفقه السياسي" ما يلي

جاء في اللقاء العلمي "مجال الفقه السياسي" ما يلي

قال أحد أعضاء معهد الإمام الخميني، قدس الله نفسه الشريفة، ومعهد أبحاث الثورة الإسلامية: أنا، على عكس البعض، لا أعتبر الفقه مثل الهندسة، ولكنني أتقبل ضرورة الاهتمام بالزمان والمكان في الفقه٠

الأستاذ صادق حقيقت، عضو الهيئة العلمية للإمام الخميني قدس الله نفسه الزكية ومعهد أبحاث الثورة الإسلامية، في الخامس من حزيران، في الملتقى العلمي “مجال صحة الفقه السياسي” الذي عقده معهد الدراسات الفقهية المعاصرة، ذكر قال: إن الفقه السياسي له صلاحية، لكن صلاحيته محدودة. وقال: إن بحثي سيطرح على أساس نظرية التقارب، وعلى قدر ما درست لم يتناول أي مقال أو كتاب مناقشة الفقه السياسي. ولو كانت هناك خلفية لكانت أساس عملنا. فبالطبع، لقد تم مناقشة عدد من المواضيع المتفرقة حول الفقه السياسي، ولكن إذا سألنا المؤمنين بالفقه السياسي كيف أثبتت صحته، فإنه ليس لديهم إجابة لأنهم افترضوه فقط٠

ذكر الأستاذ أن الفقه السياسي ليس له نظام علمي مستقل، فقال: في البحث الكمي الصحة تعني الموثوقية والصحة، وفي البحث الفلسفي الصحة تعني الاستناد إلى حجة فلسفية، أي قوة الاستدلال والحجج المتعلقة إلى المعرفة التي تمت مناقشتها الفقه السياسي هو الفقه الذي يتناول السياسة٠

الأستاذ حقيقت: أن الفلسفة السياسية والسياسات هما المتنافسان الرئيسيان للفقه السياسي، وبطبيعة الحال فإن البديل الرئيسي للفقه السياسي هو الفلسفة السياسية وليس السياسات. اما وجهة نظري هي أن الفقه السياسي صالح وله اعتبار، وهو بالطبع، في أقصى حالة، الجميع يرون له صلاحية. لذلك فإن مطالبتي له فرعان. أولا، أنه صالح، وثانيا، صلاحيته ليست الحد الأقصى٠

أضاف الاستاذ: لقد بدأت نظرية التوافق عملها بنقد نهجين الحد الأدنى والأقصى، مع النهج القائل بأن الفقه السياسي له نفس الصلاحية بين الحد الأدنى الأقصى. بطبيعة الحال، تتطلب صحة الفقه السياسي سلسلة من التمهيدات٠

يقول هذا الباحث: الفرضية الأولى هي أنه على الرغم من أن العقل يمكن أن يجد طريقه إلى أمور كثيرة، إلا أن الوحي قد يؤكد أو يحد من حكم العقل في القضايا السياسية والاجتماعية، فالعقل هو المعيار الأساسي في اكتشاف القضايا السياسية والاجتماعية، لكنه ولا يخالف ذلك أن الله قد ترك مصدراً آخر يسمى الوحي قد يصحح العقل أو يؤكد عليه أو ينفيه. وفي هذه المقدمة أؤكد أكثر على صحة الاقتباس

الفقه هو العلم الصحيح

أضاف الأستاذ حقيقت: توجد مقدمة أخرى هي أن الفقه علم صحيح على العموم، والعلم بقوة الاجتهاد وبالرجوع إلى الكتاب والسنة يحدد منزلة أحكام المهر ووجوب الخمس. وإذا ناقشنا أن الفقه ليس علماً صحيحاً على الإطلاق، فهناك مجال للنقاش، ولكني أضع ظني في صحة الفقه. والشخص الفقيه، له قوة الاجتهاد، يجتهد من خلال سلسلة من المصادر مثل الكتاب (القرآن) والأحاديث والإجماع والعقل، فهو علم صحيح٠

ذكر أحد أعضاء هيئة التدريس في معهد أبحاث الإمام والثورة الإسلامية أن المبدأ يقوم على استمرارية الأحكام الشرعية: وقد يقول قائل إن الفقه علم صحيح، لكنه لم يكن في عهد النبي (ص) وليس موجود الان. لكني أعتقد مثلاً أنه إذا كان الذين يخاطبهم النبي وكانوا يرجعون إليه، فإن نفس الأمر قد حدث في زمن الأئمة (ع) والغيبة الصغرى. وإذا قيل إن كثيراً من الأحكام قد تغيرت ولا يمكن الرجوع إلى أحكام ذلك العصر، فأنا أعتقد أن الأصل هو استمرارية الحكم الشرعي، إلا في الحالات التي لا يكون فيها الحكم مستمراً. ويمكن أن تتغير هذه الأحكام وفقا للوقت. كما أن مقدمة أخرى هي أنه في النموذج الأصولي لا بد من تقليد المجتهد٠

أضاف هذا الاستاذ: توجد مقدمة أخرى هي أن الفقه السياسي ليس علماً جديداً مقارنة بالفقه، ولكنه جزء من الفقه الذي يتناول المسائل السياسية، وليس الأمر أن الفقه علم والفقه السياسي علم آخر. الفرضية السادسة هي أنه لا توجد حدود خاصة بين القضايا السياسية وغير السياسية مثل المعاملات و… قد يظن البعض أننا عندما نأتي إلى القضايا هناك فئة سياسية وفئة غير سياسية، لكن هذه المقدمة تقول أنه لا توجد حدود واضحة بين القضايا وهناك العديد من القضايا التي لها أبعاد سياسية وغير سياسية مثلا كالجهاد والعمليات الاستشهادية والشورى والحج والاقتصاد السياسي وغير ذلك٠

إن القول بأن الفقه والفقه السياسي صناعيان، لا يعني أنه تكنولوجيا وأنه يشبه الهندسة. و انا قرأت مقالين للدكتور بايا قال فيهما إن الفقيه كالمهندس، والفقه كالهندسة، ثم استدل ببعض البراهين. ويعتبر الفقه تكنولوجيا ويقول إن الفارابي كان يعتبره صناعة قبل ألف عام. وقال إن الفقه مثل المعرفة الهندسية، أي أنه علم عملي، ويمكن الاستفادة منه في وقته. فعلى سبيل المثال، تم بناء المباني بنفس الطريقة في زمن النبي وكان لديهم المعرفة ببناء قصور تلك الفترة، لكن هذه الهندسة مختلفة تماما اليوم، وإذا كان الفقه والهندسة كلاهما عمليين، فإن التوقعات كانت لدينا من الفقه قبل 1400 سنة لا وجود له اليوم٠

ذكر أن الصناعة في رأيه تعني العلم التطبيقي، وبالتالي فهي زمانية ومكانية، وأوضح: استنتاجه ليس عدم صحة الفقه، لكنه يرى أن الفقه يجب أن يكون مطابقا لمتطلبات اليوم مثل الهندسة. وخطابه للفقهاء هو أن هندسة الفقه إذا لم تجري حسب الزمان والمكان فقد فقدت كفاءتها. وان انتقادي هو، لماذا لا نستخدم كلمة تقنية بدلاً من التكنولوجيا؟

تابع هذا الأستاذ قائلا: لا أعتبر الفقه مثل الهندسة، ولكني أقبل الاهتمام بالزمان والمكان. الفقه يفعل أمرين. أولاً: في المجال الفردي والاجتماعي، يعطينا الأحكام والقوانين، ويبين هل القوانين المعمول بها في البلاد متوافقة مع الدين والشريعة أم لا؟ وتوجد مهمة فقهية أخرى هي اكتشاف إرادة الشريعة، أي نريد أن نعرف لو كان النبي (ص) حاضرا وكنت سأسأله عن واجبي فيما يتعلق بالانتخابات. فسوف يكون جوابه كدا، أما الآن الرسول غير موجود فسوف اسال المجتهد٠

تشبيه الفقه بالهندسة مغالطة

أكد الاستاذ: أن كلام الدكتور بايا في القياس بين الفقه والهندسة فيه نوع من المغالطة لأن الفقه، بالإضافة إلى تحديد الحكم، يكتشف إرادة الشريعة أيضًا. والنتيجة أن الفقه علم صحيح والمبدأ يقوم على استمرارية أحكام الشرع، والفقه السياسي هو أيضاً جزء من الفقه، فهو يحدد واجب الشخص والمجتمع والحكومة في مجال الحياة السياسية والاجتماعية٠

صرح الأستاذ حقيقت: هو أن الجزء الثاني من أن الفقه السياسي يواجه سلسلة من القيود. والقيد الأول هو أنه لا يمكن للمرء أن يتوقع نظرية الحكومة والعدالة وما إلى ذلك من الفقه. فلا يمكن للفقه أن يكون له نظرية في الحكم. و يمكنه أن يكون لديه افتراضات حول الدولة، لكنها لا يملك نظرية عن الدولة. والنظرية هي مجموعة من البيانات المترابطة لإثبات موضوع مثل السلام والعدالة وغيرها. وبعض هذه الطروحات أنثروبولوجية، وبعضها معرفية، ونحو ذلك، ومن راجع الأساسيات في الحكومة ثم استعان بالفقه فقد ترك الفقه٠

قال عضو الهيئة الأكاديمية لمعهد أبحاث الإمام والثورة الإسلامية: إن الفقه في حد ذاته لا يمكنه التعامل مع الأنطولوجيا ونظرية المعرفة وغيرها. ولذلك، إذا قلنا أن مؤسسة الدولة في الحد الأدنى أو الأقصى، لا يمكن أن نستفيد من الفقيه لأنه إذا دخل في المناقشات الفلسفية، فقد خرج من علم الفقه. والنقطة الثانية تتعلق بنظرية السلام، والتي لا يمكن للفقه أن يمتلك هذه النظرية لأن لدينا مجموعة من روايات السلام والحرب، والتي منها تنبثق الفتاواى. لهناك طروحات في القرآن والأحاديث حول السلام والحرب، لكن النظرية لا تخرج من القرآن والاحاديث، لأن نظرية السلام مبنية على قضايا وجودية وأنثروبولوجية٠

حدود الفقه السياسي

أضاف هذا الأستاذ قائلا: من حدود الفقه السياسي أن خبر واحد ثابت منذ زمن الشيخ الطوسي. وبحسب النظام الفقهي فإن هذا الخبر المفرد مقدم على القرآن لأن معناه قطعي؛ وفي رأيي أن من قيود الفقه السياسي هو الإصرار على الخبر الواحد، فمثلا الرجم نقبله بسبب الخبر الواحد، لكن لا نلتفت إلى غياب حكمه في القرآن٠

أضاف الأستاذ حقيقت أن الفقه عبارة عن مجموعة من المقدمات المعيارية التي تقول النظام الفقهي يحتاج إلى مجموعة من القوانين. وهناك فجوة طويلة بين جمع الأحاديث والفتاوى للوصول إلى الشرائع، لا يمكن سدها لأن الفقه يجب أن ينظر إلى أنه كيف ظهرت هذه الأحاديث. كما أن الأحاديث تم إنشاؤها بناء على الأسئلة والأجوبة من الإمام، أي أنه لو كثرت الأسئلة لكانت لدينا إجابات أكثر، فالفقه سلبي لأنه يتعلق بنوع السؤال وعدد الأسئلة من الإمام. الإمام، لذلك لا ينبغي لنا أن نتوقع أن الأحاديث يمكن أن تصبح قانونا٠

قال الأستاذ حقيقت: انه على عكس منهج الحد الأدنى من المثقفين الدينيين، فإن الفقه علم صحيح ومعتبر، وإذا تصرفنا على أساس معايير الاجتهاد، فإن الفقه يجب أن يتناول بعض المسائل التي تستحق هذا العلم. ولذلك فإن عمل الفقه لا يدخل في أي مجال، فالفقه صحيح، لكن له حدود في عدة مسائل (العدل، الشرعيات، السلام، الحكومة، الحد بين القانون العام والخاص) التي ذكرناها لها قيود٠

في نهاية المطاف أكد الاستاذ: لذلك علينا نحن المسؤولون أن نرجع إلى الفقه السياسي، وإذا كان يحقق لنا الكثير فلا بأس، أما إذا رأينا أن توقعاتنا لم تتحقق بشكل كامل، فقد قمنا بواجبنا وتوصلنا إلى النتيجة وأن الفقه لايملك شيئا آخرا٠