حجة الإسلام والمسلمين محمد بيدار، مواليد ١٣٥٨ هـ في موغان، وعضو الهيئة العلمية في قسم الاقتصاد بمعهد الإمام الخميني التعليمي والبحثي. يُعد من الأساتذة الشباب في مجال الاقتصاد الإسلامي، وقد ألّف العديد من الكتب والمقالات حول مواضيع متنوعة في الاقتصاد الإسلامي. أجرينا معه حوارًا حول إمكانية تحقيق الاقتصاد الإسلامي. ويعتقد أن الاقتصاد الإسلامي، بمعنى المكتب الاقتصادي الإسلامي وسياساته الاقتصادية، أمر محقق بالتأكيد، وأن النقاش يدور حول علم الاقتصاد الإسلامي. فيما يلي نص الحوار الخاص مع هذا الأستاذ والباحث في الاقتصاد الإسلامي:
الفقه المعاصر: هل من الممكن إنشاء باب فقهي يُسمى فقه الاقتصاد؟
بيدار: فيما يتعلق بإنشاء تخصص يُسمى فقه الاقتصاد، يجب أولاً الإشارة إلى معنى كلمتي “فقه” و”اقتصاد” لتوضيح معناهما، ثم يمكن مناقشة إمكانية تحققه أو عدمه.
الفقه يعني استنباط الأحكام الشرعية المتعلقة بأفعال المكلفين من حيث الأحكام التكليفية والوضعية. أفعال المكلفين قد تكون على المستوى الفردي أو تأخذ طابعًا اجتماعيًا. كما يمكن أن يكون المكلف شخصًا طبيعيًا أو شخصية اعتبارية.
أما بالنسبة للاقتصاد، فبما أن الأنشطة الاقتصادية وأفعال الإنسان الاقتصادية هي جزء من أفعاله، فإن الفقه بالطبع يكون له معنى في المجال الاقتصادي.
علم الاقتصاد هو مجموعة الفرضيات التي تصف وتفسر وتتنبأ وتوجه السياسات المتعلقة بالسلوكيات الاقتصادية في ثلاثة مجالات: الإنتاج، التوزيع، والاستهلاك للسلع والخدمات المتعلقة بأنشطة الوكلاء الاقتصاديين. وبالتالي، فإن الاقتصاد له أربع وظائف: الوصف، التفسير، التنبؤ، وصياغة السياسات. ومجالاته تشمل الإنتاج، التوزيع، التبادل، والاستهلاك، وتغطي الأبعاد الفردية والاجتماعية.
أما فيما يتعلق بفقه الاقتصاد، فيمكن القول إنه فيما يخص الوظائف الوصفية، التفسيرية، والتنبؤية، فإن الفقه لا يكون له معنى إلا في الوظيفة السياسية؛ لأن الوصف والتفسير والتنبؤ يتعلق بالواقع وله طابع إخباري، ولا توجد مسائل شرعية في هذا المجال تدخل فيها الفقه. لكن عندما يتعلق الأمر باتخاذ سياسة اقتصادية، سواء على المستوى الفردي أو الاجتماعي، فإن الفقه يكون له معنى بالتأكيد.
فيما يتعلق بالمجالات والأبعاد، يمكن للفقه أن يبدي رأيه في جميع مجالات الإنتاج، التوزيع، والاستهلاك، وفي جميع الأبعاد الفردية والاجتماعية.
أما بالنسبة لإمكانية تحقق فقه الاقتصاد، فإن إمكانيته وحتى تحققه أمر واضح وبديهي؛ لأن أقوى دليل على إمكانية شيء هو وقوعه. لقد حقق فقه الاقتصاد تقدمًا معرفيًا جيدًا في بعض المجالات مثل التوزيع مقارنة بالإنتاج والاستهلاك. كما تم العمل على بعض المؤسسات الاقتصادية مثل فقه البنوك والتأمين، وإن كان لا يزال بحاجة إلى التكميل. فيما يتعلق بالمواضيع الكلية للاقتصاد مثل التقدم الاقتصادي، نظام الموازنة والتخطيط، بما أنها تُعد أفعالًا للشخصية الاعتبارية للدولة، فإن الفقه يجب أن يبدي رأيه، وإن كانت الأبحاث في هذا المجال لا تزال محدودة. على أي حال، فقه الاقتصاد كان موجودًا منذ زمن بعيد في كلام الفقهاء الإسلاميين، وإن كان يحتاج إلى مزيد من الأبحاث في بعض المجالات.
الفقه المعاصر: ما هي متطلبات وصف علم ما بصفة إسلامية؟ على سبيل المثال، كم عدد النظريات أو المصادر الدينية وغيرها اللازمة لاعتبار مجموعها علمًا جديدًا بصفة إسلامية؟
بيدار: العلم هو مجموعة من الفرضيات المختلفة التي تتبع هدفًا واحدًا. لا يُطلق اسم العلم على فرضية واحدة أو حتى نظرية واحدة، بل يجب أن تتجمع هذه الفرضيات معًا وتسعى بشكل جماعي لتحقيق هدف واحد حتى تُسمى علمًا.
إذا أردنا أن يكون هذا العلم إسلاميًا، أي مجموعة من الفرضيات العامة المترابطة، فقد قيلت آراء مختلفة حول هذا الوصف. قال البعض إن كون منتج العلم مسلمًا يكفي لجعله إسلاميًا. وقال آخرون إن إنتاج العلم في البلدان الإسلامية يجعله إسلاميًا. لكن يبدو أن أفضل تعريف لوصف علم بصفة إسلامية هو نسبته إلى مصادر المعرفة الإسلامية. مصادر المعرفة الإسلامية هي القرآن، الروايات، الإدراكات العقلية، سيرة المعصومين، وسيرة وأقوال الأنبياء الإلهيين غير المحرفة. أي علم ينسب إلى هذه المصادر، وبعبارة أخرى، يكون هناك توافق وتناسق بين فرضياته وتستند منطقيًا إلى التعاليم النقلية والعقلية للإسلام، يكون علمًا إسلاميًا.
في تكوين علم ما، لا يوجد معيار محدد لعدد النظريات الموجودة فيه، أي لا يمكن القول إنه إذا وصل عدد النظريات إلى عشرة تشكل علمًا، وإلا فلا. لكن عادةً، يجب أن يكون عدد النظريات كافيًا بحيث يعتبرها جمهور العلماء مجموعة نظريات تشكل علمًا. ومن الواضح أن وصف الفرضيات أو عدم وصفها بعلم لا يؤثر على قيمتها. على سبيل المثال، إذا كانت نظرية مستندة إلى آية قرآنية أو رواية صحيحة، فهي صحيحة ومنسوبة إلى الإسلام، سواء أُطلق عليها اسم علم أم لا.
الفقه المعاصر: يرى البعض أن الاقتصاد الإسلامي يتعارض أولاً مع أهداف التشريع، لأن الدين جاء لهداية البشر وتوضيح الأمور التي لا يمكن فهمها إلا بالهداية الإلهية، وليس أمورًا مثل الاقتصاد الإسلامي القابل للفهم بالعقل. ثانيًا، نظرًا لتغير المجتمعات والناس والموضوعات وأساليب التفاعل بينهم، فإن صياغة نمط اقتصادي يظل فعالًا لأكثر من ألف عام مستحيل. ما رأيك في هذا؟
بيدار: للإجابة على هذا السؤال، يجب أولاً الإشارة إلى مقدمة حول طبيعة الاقتصاد الإسلامي. في الاقتصاد، تُقسم الفرضيات الاقتصادية عادةً إلى مجموعتين: الاقتصاد الإيجابي والاقتصاد التوجيهي. الاقتصاد الإيجابي يركز فقط على وصف الواقع وتفسيره والتنبؤ به، وهو خالٍ من القيم. أما الاقتصاد التوجيهي أو الهنجاري فهو يحمل قيمًا، وبالتالي يمكن تقديم توصيات سياسية بناءً على القيم والهنجاريات الموجودة في كل مجتمع.
بناءً على هذا التقسيم، يحتوي النظام المعرفي للاقتصاد الإسلامي على أدوات وعناصر مختلفة يمكن أن تُعبر عنها كمكتب اقتصادي إسلامي، علم اقتصاد إسلامي، أو سياسات اقتصادية إسلامية. في رأيي، النظام الاقتصادي الإسلامي يتكون من عناصر مترابطة تشمل المكتب الاقتصادي الإسلامي، علم الاقتصاد الإسلامي، وسياسات الاقتصاد الإسلامي.
أساس المكتب الاقتصادي الإسلامي هو فقه الاقتصاد. وقد وضع الشهيد صدر في كتابه القيم “اقتصادنا” أسس المكتب الاقتصادي الإسلامي بشكل جيد.
السؤال الآن هو: النقاش حول إمكانية أو عدم إمكانية الاقتصاد الإسلامي يتعلق بأي جزء منه؟
إذا كان المقصود إمكانية تحقق علم الاقتصاد الإسلامي الذي يركز على وصف الواقع، تفسيره، التنبؤ به، وشرح العلاقات بين المتغيرات الاقتصادية، فهذا موضوع آخر يثير نقاشًا مفصلاً.
أما بالنسبة للمكتب الاقتصادي الإسلامي وسياسات الاقتصاد الإسلامي، فلا مجال أصلاً لمثل هذا السؤال؛ لأنه إذا قلنا إن الدين جاء للهداية، وبما أن جزءًا كبيرًا من أنشطة الإنسان هي أنشطة اقتصادية، فلا يمكن للدين أن يتجاهل هذه الأمور. لذا، فإن أحكامًا مثل حرمة الربا، حرمة الغش في المعاملات، وما شابه ذلك، التي تنطبق على المجالين الفردي والاجتماعي، تُعد في الحقيقة تعبيرًا عن المكتب الاقتصادي الإسلامي وسياسات الاقتصاد الإسلامي. وبالتالي، فإن الاقتصاد الإسلامي بهذا المعنى موجود بالتأكيد. وبالنظر إلى ديناميكية الفقه الشيعي، فإن الأحكام ستختلف بطبيعة الحال عبر الأزمنة والأماكن المختلفة، لكن المبادئ والأسس العامة التي تحكم أنماط الاقتصاد الإسلامي تظل موحدة في جميع الأزمنة والأماكن.
الفقه المعاصر: هل وصف الاقتصاد بدين مثل الإسلام له سوابق في الأديان الأخرى؟
بيدار: هذا الوصف ممكن وغير مستحيل، وقد أُجريت بعض الأبحاث في هذا الصدد، مثل الاقتصاد المسيحي. إحدى الفترات التي تُدرس في تاريخ الأفكار الاقتصادية هي فترة الاقتصاد المدرسي أو السكولاستيكي، التي سيطرت على أوروبا خلال القرون الوسطى لمدة عشرة قرون. سعت الكنيسة إلى تطبيق تعاليم المسيح الأخلاقية في الأمور الاقتصادية. كما حُرم الربا في جميع الأديان مثل المسيحية واليهودية. وفيما يتعلق بالأديان الأخرى، فقد وُجد اقتصاد منسوب إلى تلك الأديان، لكنه لم يحقق نجاحًا كبيرًا.