إشارة:
حجة الإسلام والمسلمين أمير حسين صفاريان، خريج مجمع مشكاة الحوزوي، يدرّس منذ سنوات في هذه الحوزة العلمية. وقد عمل مع عدد من خريجي هذا المجمع منذ سنوات على دراسة قضايا الاقتصاد الإسلامي ضمن مجموعة الاقتصاد والحوكمة في معهد برهان للتوجيه. يرى أن تقديم إجابات فعالة لأسئلة فقه الاقتصاد يتطلب اكتشاف المبادئ والنهج الأساسية للإسلام التي تشكل النظام الاقتصادي الإسلامي؛ وإلا فإننا نلعب في ساحة لا تنتمي إلى النظام الاقتصادي الإسلامي، ومهما استنبطنا فلن يساعد في تشكيل المجتمع الإسلامي المثالي. نص الحوار الخاص الذي أجراه مع فقه معاصر، والذي يحمل أفكاراً جديدة وقلما تُطرح، كما يلي:
نص الحوار:
فقه معاصر: ما هي المبادئ والافتراضات الأساسية لفقه الاقتصاد؟
صفاريان: فيما يتعلق بفقه الاقتصاد، للأسف، لدينا نظرة محدودة للغاية إلى الاقتصاد، مما قيّدنا كثيراً. أحياناً، يقدم بعضنا مجرد أحكام شرعية مستخلصة من عمومات وإطلاقات دون النظر إلى الخلفيات المعرفية للاقتصاد ومكانة الاقتصاد الإسلامي في الهندسة المعرفية للاقتصاد، فنقدمها بشكل خام وغير موضوعي. والنتيجة هي أننا، عملياً، نلعب داخل أحد الأنظمة الاقتصادية الشائعة، لكننا لا نُصنف لا كيسار متطرف ولا كيمين متطرف، بل نصبح خليطاً بلا خلفية يصعب على أي أحد أن ينظر إليه كنظام متكامل. في حين أن الجمل التي تشكل النظام الاقتصادي الإسلامي يجب أن تكون متناغمة ومتسقة مع بعضها البعض.
نقطة أخرى هي أن ما يُستفاد من الآيات والروايات هو أن نظرة الدين إلى الاقتصاد هي نظرة أداتية، بينما في الأنظمة الاقتصادية الأخرى، يُعطى الاقتصاد الأولوية الكاملة. يمكن تفسير نظرة الدين إلى الاقتصاد بأنه إذا اعتبرنا الولاية العمود الرئيسي للدين، فإن النظام السياسي يصبح نظامه الطولي، والنظام الاجتماعي يصبح نظامه العرضي. ومن ثم، فإن ما يجعل الأفراد يؤدون أدوارهم في هذا النظام ويخلق نوعاً من الترابط بينهم هو النظام الاقتصادي.
فقه معاصر: هل الاقتصاد الإسلامي يتضمن فقط بعض الأحكام المميزة عن غيره من الأنظمة الاقتصادية، أم أنه يقدم نظاماً مستقلاً عنها؟
صفاريان: إذا اعتبرت نظامك الاقتصادي متناسباً مع النظام الاجتماعي والنظام السياسي، فيجب أن يؤدي إلى زيادة الترابط بين الناس، وليس إلى تجنبهم للارتباط ببعضهم البعض، كما يحدث الآن. ربما يكون السبب في الوضع الحالي هو أن النظرة إلى الاقتصاد هي نظرة أساسية وليست أداتية. النظام الرأسمالي، الذي يهيمن الآن على اقتصاد العالم، يعطي الاقتصاد الأولوية الكاملة. والنتيجة هي أن الاقتصاد، الذي جاء في النظرة الإسلامية لربط الناس وخلق المحبة والعلاقة بينهم، يدمر الآن العلاقات بين الأفراد ويضعهم في مواجهة بعضهم البعض. إذا لم ينتبه أحد إلى هذه النقطة واكتفى ببعض الجمل الفقهية، فإنه، عملياً، يتحرك خارج النظام الفكري الإسلامي. على سبيل المثال، قد يقول إنه يقبل النظام الاقتصادي الليبرالي ولكن مع بعض القيود، مثل أن هذا حرام أو ذاك ليس حراماً. هذا النوع من النظرة يمنع النظام الإسلامي من إظهار نفسه.
فقه معاصر: هل يمكن، مع النهج الأدنى للفقه، الادعاء بباب فقهي يُسمى “فقه الاقتصاد” أو معرفة تُسمى “الاقتصاد الإسلامي”؟
صفاريان: أحياناً نتناول الجمل الاقتصادية من منظور فقهي، على سبيل المثال، نقول إن الاقتراض مكروه، وهذه جملة فقهية، أو أن إقراض المال مستحب، وهذه أيضاً جملة فقهية يمكن أن تكون صالحة بغض النظر عن النظام الاقتصادي الذي تقبله. لكن إذا أردت فهم الفقه بناءً على النظام المستخلص من الآيات والروايات، فلن تستطيع الحكم عليه بجمل منفردة، مثل القول إن الإقراض مستحب والاقتراض مكروه؛ لأن النظام الاقتصادي القائم على الاقتراض والإقراض ليس إسلامياً أصلاً ولا ينبغي قبوله، حيث تحذر الآيات والروايات بوضوح من ميل الناس إلى هذا النوع من طرق التمويل ولا تريد أن تكون العلاقات بين الناس قائمة على القرض. إذا كان لدينا هذا النهج والنظرة إلى الاقتصاد الإسلامي، فإن ساحة اللعب ستتغير كلياً، وتصبح المسألة أبعد من مجرد حكم الحلية أو الحرمة لفعل ما. عندما نتبنى هذه النظرة، لا يمكننا قبول مؤسسة مثل البنك التي تعتمد على نظام القرض. هذه النظرة والنهج تتجاوز الحكم الفقهي بحرمة الربا، بل تُظهر أن مثل هذه المؤسسة القائمة على القرض هي حركة في ساحة أخرى وتتعارض مع النظام الاقتصادي الإسلامي.
لست الآن في مقام إصدار حكم شرعي، بل أطرح فرضيات، فإذا تم إثبات هذه الفرضيات، فكم ستكون المسألة الاقتصادية الإسلامية مختلفة. إن النهج السياسي والاجتماعي للنظام له تأثير كبير في تشكيل النظام الاقتصادي. على سبيل المثال، لدينا روايات حول زمن ظهور الإمام المهدي (عج) تفيد بأنه في زمن ظهوره، يكون الربح بين المؤمنين حراماً. في هذه الرواية، يؤكد الإمام أن هذا المعنى يتعلق بزمن الظهور وليس بالوقت الحاضر. إذا كان الأمر كذلك، وكان النظام الاقتصادي المثالي هو هذا النظام، ألا ينبغي لنا أن نسعى لتحقيقه؟ للتحرك نحو هذا النظام الاقتصادي، يجب أن نغير نظامنا الاجتماعي أيضاً. إن هذا النظام الاقتصادي المثالي يتطلب نظاماً اجتماعياً وسياسياً يختلف عن النظام الاجتماعي القائم، نظاماً يقوم على الولاية.
إذا نظرنا إلى المسألة بهذه الطريقة، يبدو أن الجمل الاقتصادية ستكون مختلفة كلياً. حتى الجمل القانونية ستتغير. على سبيل المثال، في المباحث المتعلقة بالملكية، يمكننا أن نقدم أفكاراً جديدة. لحل النزاعات بين الأطراف، يمكننا طرح مقترحات جديدة. أريد أن أقول إنه عندما تتغير ساحة اللعب، وعندما يتغير التصميم، وعندما تجعل النظرة القصوى للدين متداخلة في الأنظمة المختلفة، بما في ذلك النظام الاقتصادي، فإن الأحكام المستخلصة منه ستكون مختلفة، وقد لا تكون الأحكام القائمة موجودة بالضرورة. لذا، بناءً على أن مبادئ النظام الاقتصادي هي مبادئ صلبة ومتينة تنبع من التوحيد، يمكن مناقشة العديد من القضايا الأخرى، مثل: ما هي مكانة الاقتصاد في المجتمع الإسلامي؟ وما هي الآليات والهدف الذي يسعى إليه في المجتمع المؤمن؟ ما الذي جعل القرآن الكريم يتناول الربا بهذا الحد؟ ما الذي جعل القرآن يشير إلى أموال اليتيم بهذا الحد؟ ما الذي جعل مواضيع مثل الزكاة أو الأنفال تُطرح بهذا الحد في القرآن؟
عندما يكون لديك نظام هندسة حياة مستخلص من الإسلام، فإن هذه الأمور تظهر بوضوح. يجب عليك أولاً استنباط النظام والإطار الرئيسي من القرآن الكريم، مثل: على ماذا يركز القرآن في المباحث الاقتصادية؟ وكم نهتم بهذه الأمور؟ على سبيل المثال، هل نحن حساسون حقاً تجاه مال اليتيم؟ كم نحن حساسون تجاه مهر المرأة؟ وحتى تجاه الربا نفسه، الذي عولج بشدة وحزم؟ أو تجاه أكل المال بالباطل في مصاديقه المعاصرة، كم نحن حساسون؟
بعد أن يتشكل هذا النظام، يمكننا حينها الرجوع إلى الروايات ومعرفة أين تقع المواضيع التي تناولتها الروايات بالتفصيل، مثل الخمس، في هذا النظام الاقتصادي؟ ما الذي جعل الروايات تؤكد على الخمس بينما لا يوجد هذا التأكيد في القرآن؟ وما هو الفراغ الذي يملؤه الخمس في المجتمع؟