الحجة الإسلام سيد مهدي أحمدينيك، خريج قديم من حوزة مشهد. في عام ١٣٧٨ هـ، بعد حصوله على شهادة المستوى الرابع من هذه الحوزة، أكمل دراسته الجامعية في تخصص القرآن والحديث في جامعة الرضوية، وأخيراً في عام ١٣٨٩ هـ، حصل على الدكتوراه في تخصص علوم القرآن والحديث من هذه الجامعة. عضو هيئة التدريس في جامعة العلوم الإسلامية الرضوية، خلال هذه السنوات، إلى جانب القرآن والحديث، قام بالتدريس والبحث في الفقه والأصول بصور متنوعة. تحدثنا معه حول حكم الكذب في الأعمال الفنية. الكذب في الفنون مثل الأدب وكتابة السيناريو في الفنون التمثيلية، يُستخدم بشكل واسع، والفنان من أجل تأثير أكبر لعمله، سواء في الشعر أو القصة، يخلق شخصيات وأحداث غير واقعية بكثرة. الآن السؤال هو هل هذه الإبداعات الفنية تُعدّ مصداقاً للكذب، أم أن نفس خلق العمل الفني يُعتبر قرينة لبّية لكون هذه الحالات «إنشائية» وبالتالي عدم تصور الكذب في هذه الفنون؟ بحسب رأي أحمدينيك، من غير المرجح جدًا أن يكون مراد الكذب الذي نُهي عنه في الأدلة الشرعية هذه الحالات، خاصة أن العديد من هذه الفنون تُستخدم لتثبيت وترويج القيم الأخلاقية والدينية. تفاصيل الحوار الخاص لفقه معاصر مع مدير قسم الفقه ومبادئ الحقوق في جامعة العلوم الإسلامية الرضوية، تمر أمام أنظاركم:
فقه معاصر: ما هو الكذب بالضبط، وهل هو قابل للتطبيق على أنواع الفن؟
أحمدينيك: أود أولاً أن أشير إلى آيتين من القرآن الكريم في هذا الصدد. يقول القرآن الكريم فيما يتعلق بالكذب والتحذير منه: «إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ»: أي إنما يكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله، وهؤلاء هم الكاذبون الحقيقيون.
وفي آية أخرى يقول القرآن: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ»: إن الله لا يهدي من هو كاذب كفّار. قد يكون المراد بالكفر هنا الكفر بالله تعالى أو الكفر بنعم الله.
الكذب يعني القول غير الصحيح والقول الباطل. الكذب هو الخلاف مع الحقيقة والواقع؛ أو بعبارة أخرى، الكذب هو الإخبار عن أمر خلاف الواقع وقول مخالف للحقيقة، وهو بحد ذاته يُعتبر من أكبر وبالتأكيد أسوأ الصفات الإنسانية في الثقافة الدينية، وقد حُذّر منه البشر. الكذب له آثار ضارة كثيرة، وهناك عوامل تدفع الإنسان إلى الكذب.
فقه معاصر: هل عنصر «التخيّل» الذي يُعدّ ركناً من أركان العمل الفني، يعني الكذب؟
أحمدينيك: أصلاً الكذب ينصب على إعطاء واقعية لشيء ليس له واقع، أو إظهار خلاف الواقع على أنه واقع.
في هذا الصدد، الواقع أنه من الصعب القول إنه إذا قام شخص بالتخيّل، ومثلاً قدّم إحدى القيم الأخلاقية في قالب قصة أو عمل فني، يُعتبر كاذباً؛ خاصة أن استخدام الخيال – كما أشرتم – يُعدّ أحد أركان العمل الفني. لذا من غير المرجح جدًا أن يكون الكذب الذي اعتُبر في الثقافة الإسلامية محرماً وقيمة مضادة ينطبق على مثل هذه الحالات.
فقه معاصر: هل يمكن اعتبار «إنتاج العمل الفني» قرينة لبّية متصلة لإضافة عناصر إلى الواقع لتحقيق التخيّل في العمل الفني، وبالتالي عدم إرادة جدية لجميع مداليل العمل الفني؟
أحمدينيك: نعم، أحياناً تكون القرينة لفظية، وأحياناً حالية، وأحياناً لبّية. بالتأكيد في إنتاج العمل الفني، يمكن اعتبار عملية إنتاج الفن نفسها قرينة لبّية متصلة لإضافة عناصر إلى الواقع، بمعنى أننا يمكن أن نأخذ نية الفنان نفسه في إنتاج العمل الفني كقرينة على أن بعض الألفاظ التي يستخدمها، ليس لها إرادة جدية؛ بل استُخدمت فقط لإكمال إنتاج العمل الفني. لذا إجابتي على هذا السؤال إيجابية، ويمكن اعتبار إنتاج العمل الفني نفسه قرينة لبّية تدل على عدم إرادة الفنان الجدية تجاه جميع مداليل هذا العمل الفني الذي يريد خلقه.
فقه معاصر: هل إضافة تفاصيل إلى القصة في الفنون التمثيلية لتحقيق الدراما، واستخدام الأساليب مثل الاستعارة والإيهام في الشعر، وتغيير أو إضافة بعض العناصر إلى الرسم، تُعدّ من مصاديق الكذب؟
أحمدينيك: اسمحوا لي أن أقوم بتصرف في كلامكم. أن لا نقول بشكل مطلق إن إضافة أي تفصيل إلى القصص الفنية، تُعدّ من مصاديق الكذب، ربما ليس قولاً بعيداً عن المنطق؛ بمعنى أن إضافة أي تفصيل إلى القصة في الفنون التمثيلية، خاصة إذا كانت هذه في سياق إيصال قيمة أخلاقية أو تثبيت عقيدة إيمانية أو التعبير عن واقع في قالب فني وأساليب فنية، سواء في قالب الاستعارة والإيهام في فنون الرسم والنحت وغيرها، من غير المرجح جدًا أن تكون مصداقاً للكذب، خاصة أن هذه الحالات والإضافات تأتي لجعل العمل أكثر جاذبية، وهو أمر ضروري، خاصة إذا كان الهدف ترويج قيمة أو صفة أخلاقية. هذه الأمور، ليست فقط غير منهي عنها من قبل الشارع، بل يبدو أنها حتى موصى بها.