إشارة
حجة الإسلام والمسلمين محمد علي حيدري، أستاذ الحوزة العلمية وخبير في فقه الإعلام، ركز خلال السنوات القليلة الماضية على البحث العلمي في موضوع “الإعلام من منظور الدين والحقوق الإسلامية”. عضو هيئة التدريس في مدرسة مشكاة العلمية، تناول في هذا الحوار، إلى جانب موضوع حقوق الأفراد في الإعلام، واجبات ومحظورات جديدة في هذا المجال من منظور الفقه الشيعي.
هل تلتزم وسائل الإعلام الإيرانية بحقوق الأفراد كما ينبغي؟
حيدري: هناك عنوانان مهمان في الأحكام الفقهية المتعلقة بحقوق الناس في الإعلام: الأول هو “حق الله”، والثاني هو “حق الناس”. موضوع فقه الإعلام يُطرح بأي شكل من الأشكال في جميع الأحكام الفقهية التي تتعلق بالعلاقات بين البشر. تُناقش هذه المواضيع الفقهية عادةً في كتب “المفاسد المحرمة”، مثل الكذب، الغيبة، البهتان – الذي يُشار إليه في الكتب الأخلاقية بالتهمة -، التجسس، إشاعة الفاحشة، الإعانة على الإثم، وكشف الأسرار. كل هذه العناوين الفقهية تُطرح في سياق العلاقات بين البشر، وهي علاقات من نوع إرسال واستقبال الرسائل. بمعنى، يجب أن ننظر في كل عملية إرسال أو استقبال رسالة، هل ينطبق عليها أحد هذه العناوين الفقهية أم لا؟ على سبيل المثال، عندما أستقبل رسالة، هل هي مصداق للتجسس أم لا؟ هل هي مصداق لسماع الغيبة أم لا؟
من ناحية أخرى، أحيانًا يكون من الواجب على الإعلام نقل رسالة ما. فإذا لم ينقلها، هل يكون قد ارتكب فعلًا محرمًا أم لا؟ على سبيل المثال، في الحالات التي يكون فيها النهي عن المنكر أو إرشاد الجاهل واجبًا، إذا لم يتدخل الإعلام، هل يكون قد ارتكب فعلًا محرمًا أم لا؟ مناقشة هذه المسائل تندرج ضمن أحكام فقه الإعلام.
في إطار المبحث الفقهي “استثناءات الغيبة”، يُقال إنه إذا ظُلم شخص ولم يتمكن من استرداد حقه، فله أن يكشف ظلم الظالم. لكن إذا كان وزن تظلمه أكبر من الظلم الذي وقع عليه، فإن هذا التظلم نفسه يصبح ظلمًا مضاعفًا، ولم يعد من الواضح ما إذا كان الحكم الفقهي السابق لا يزال ساريًا.
كيف يكون كشف الجريمة والتهمة وإفشاؤها في الإعلام؟
حيدري: أبدأ من عنوان التجسس. على سبيل المثال، نشاط الصحفي لاكتشاف نقاط الضعف ينطبق عليه عنوان التجسس بنسبة مئة بالمئة. قد يقال إن حرمة التجسس هنا تتعارض مع مصالح أخرى، وبالتالي لا إشكال في ذلك. في الحقيقة، هذا النشاط ليس محرمًا بسبب هذا التعارض. لكن يجب هنا أن نرى هل مصلحة الإفشاء أكبر أم مفسدة التجسس؟ يجب هنا إجراء تقييم بين الأهم والمهم.
التجسس لا يقتصر على البحث في أحوال فرد واحد، بل يشمل جميع الأنشطة التي تُجرى تحت عنوان دراسة الشعوب، مثل البحث عن عادات جاهلية أو عيوب لدى قوم أو فئة من الناس. كل هذه الأبحاث تندرج تحت عنوان التجسس. إذا كنا نريد أخذ مصلحة المعرفة في الاعتبار، يجب أن ننتبه إلى أن العنوان هو التعارض، ويجب أن نقيس بين المصالح والمفاسد.
حتى الآن، لم تظهر تعقيدات فقهية كبيرة. المسألة واضحة وجلية. لكن تعقيد المبحث الفقهي يبدأ هنا. عنوان التجسس الأساسي – الذي صدر له حكم الحرمة في فقهنا – هو البحث في الأمور الخفية للأشخاص التي تُعتبر عيوبًا لهم. على سبيل المثال، إذا كان لشخص صفات أخلاقية سيئة وبحثت عنها سرًا أو علنًا لاكتشاف عيوبه الخفية، فهذا مصداق للتجسس، ولا أحد يختلف في ذلك. لكن إذا أردت البحث عن الخصال الحسنة الخفية لشخص ما، مثل عارف لا يكشف عن حسناته أبدًا، وبحثت لاكتشاف خصائص حياته الخفية، وقد تكشف خلال بحثي بعض العيوب، هل هذا يُعتبر تجسسًا أم لا؟ يقولون: لا، لأنك لم تكن تتوقع ذلك، فهذا ليس تجسسًا. كنت تسعى لاكتشاف الحسنات، وصادف أن اكتشفت بعض السيئات.
هل إعداد الأخبار يُعتبر من مصاديق التجسس؟
حيدري: أستخدم مصطلح “المقابلة العميقة” لإعداد الأخبار. على سبيل المثال، أحصل على إذن لإجراء مقابلة معك باستخدام تقنيات مهنية ومدروسة للمقابلة. من خلال هذه التقنيات، التي تُعتبر أساسًا للعديد من الأبحاث العلمية، يمكنني اختراق أبعاد شخصيتك الداخلية دون أن تنتبه أنت إلى تقنيات المقابلة. تجيب عن أسئلة محددة، لكنني أخترق أعماق وجودك بهذه الطريقة. هل لي الحق في ذلك أم لا؟ عادةً يقولون إنه يجب أخذ الإذن لمثل هذه المقابلة، لكن هل بأخذ الإذن يصبح فعلاً مسموحًا اختراق أعماق شخص ما؟ لا، لم يُعطَ مثل هذا الإذن. ثانيًا، لا يحق لأي شخص أن يسمح بفحص جميع أحواله واكتشاف جميع عيوبه. لا يحق لأي إنسان أن يضع سمعته في المزاد. لذا، هنا أيضًا يُطرح عنوان التجسس.
مثال آخر من العناوين الفقهية لإعداد الأخبار في هذا السياق هو أنشطة الإعلام في مجال الانتخابات. على سبيل المثال، يجب أن أغطي أخبار مقر السيد فلان. هل يحق لي، من أجل إعداد هذا الخبر، أن أتسلل سرًا إلى هذا المقر؟ لنفترض أن لديهم مطبخًا صغيرًا في المقر. هل يحق لي فعلاً أن أذهب إلى هناك كالجواسيس لإعداد الخبر؟ قد يقال إن هناك خطرًا أمنيًا أو ثقافيًا محتملاً، وفي هذه الحالة يجب تقييم الأمور، لكن مجرد كوني صحفيًا، هل يعطيني هذا الحق في التسلل إلى كل مكان؟ ليس لدينا عنوان فقهي يمنح الصحفي هذا المجال الواسع. أحد العناوين التي تقيد عمل الصحفي هو عنوان التجسس. لا يحق للصحفي لإعداد الخبر أن يدخل جميع الحدود. لقد رأيت هذا كثيرًا. على سبيل المثال، حتى في بعض المواقع الإخبارية المتعلقة بأشخاص مؤمنين ومتدينين، لم يُسمح لهم بالدخول إلى مجال معين، لكنهم دخلوا بمكر، ثم يشتكون لاحقًا من أن يتم التعامل معهم بعد دخولهم بشكل غير قانوني!
ماذا عن بث الأخبار؟ ما هو نطاق تغطية وبث الأخبار؟
حيدري: العنوان الأول في هذا المجال هو كشف عيوب الأفراد، وهو ما ينطبق عليه عنوان “الغيبة”. هذا العنوان يتعلق أكثر بالأمور التي تسبب الكراهية أو الانزعاج للشخص. لا يمكن الدفاع عن هذا فقهيًا. تناول الإمام الخميني هذا الموضوع بالتفصيل في كتاب “المكاسب المحرمة”، كما ناقشه المرحوم الخوئي وغيره من الفقهاء. كشف ما ستره الله، أي كشف العيوب التي سترها الله، يعني أنني في بياني أو في الخبر الذي أنقله أو في الوثائقي الذي أصنعه وأبثه، أو حتى في فيلم سينمائي أو أدب قصصي، أكشف عيوب شخص أو مجموعة كانت مخفية حتى الآن. هذا لا يقتصر على الأفراد، بل يشمل الجماعات أيضًا. على سبيل المثال، إذا ذهبت إلى مدينة ورأيت فيها صفة أخلاقية سيئة، ثم عدت ورويتها، فهذا أيضًا يندرج تحت عنوان الغيبة. حتى الآن، لا يوجد جديد فقهي في هذا الموضوع، وهو واضح وجلي بالنسبة لنا. انظر كم عدد المصاديق التي ينطبق عليها هذا الموضوع الواضح جدًا في الإعلام.
جميع برامج الكاميرا الخفية تُعتبر مصداقًا لهذا العنوان الغيبة! أن أضع كاميرا خفية وأنقل سلوكًا يظهره الأشخاص ولم يشهده إلا عدد قليل، فهذا مصداق للغيبة. الكاميرا الخفية نفسها تُعتبر تجسسًا لإعداد الخبر، لكن عرضها يُعتبر مصداقًا للغيبة. عرض هذا الخبر والصورة الإخبارية هو مصداق للغيبة. نرى في التلفزيونات العديد من الأفلام الوثائقية – مثل الوثائقيات الاجتماعية – التي تُظهر شخصًا يرتكب مخالفة أخلاقية، كأن يُسبب إزعاجًا للآخرين. فيذهبون إليه مباشرة بكاميرا مفتوحة ويسألونه: “لماذا فعلت هذا؟” في البداية، قد يدافع الشخص عن نفسه، لكنه بعد ذلك يُبدي ندمًا وتأسفًا شديدين، لأن السلوك لم يكن قابلًا للدفاع عنه! حسنًا، يقومون بتشويش الوجه، لكن عائلته أو أصدقاءه أو جيرانه وأقرباءه يتعرفون عليه من صوته أو مظهره أو خصائصه، ومن الواضح جدًا أن هذا مصداق للغيبة.
هذا الموضوع ورد صراحةً في الكتب الفقهية القديمة، حيث يُمكن أن تكون الغيبة حتى بالإشارة. جاءت امرأة إلى النبي – ويبدو أنها كانت امرأة – وكانت قصيرة القامة جدًا. بعد أن ذهبت، أشارت إحدى زوجات النبي بيدها إلى قصر قامتها! فقال النبي: “لقد اغتبتِها”. بهذه الرواية يثبت أن الغيبة ليست مقتصرة على البيان اللفظي، ومثلاً إذا كنت قد أرشفت صورة لأبثها في وسيلة إعلامية في وقت ما، فهذا أيضًا مصداق للغيبة.
تُعرّف وسائل الإعلام لنفسها أهدافًا ورسالات. مع هذا التعريف، كيف يمكن التعامل مع إعطاء الوعي والمسؤولية تجاه الرأي العام؟
حيدري: في إطار المبحث الفقهي “استثناءات الغيبة”، يُقال إنه إذا ظُلم شخص ولم يتمكن من استرداد حقه، فله أن يكشف ظلم الظالم. لكن إذا كان وزن تظلمه أكبر من الظلم الذي وقع عليه، فإن هذا التظلم نفسه يصبح ظلمًا مضاعفًا، ولم يعد من الواضح ما إذا كان الحكم الفقهي السابق لا يزال ساريًا.
لذا، هذا الحكم القطعي لا يشمل جميع الظلم. أحيانًا يكون الشخص نفسه، بسبب شهرته، وسيلة إعلامية بحد ذاته. فإذا قال إنه لا يملك منبرًا أو إمكانيات خاصة، فهذا غير مقبول. لا، أنت نفسك وسيلة إعلامية. إذا تظلمت، فإن وزن تظلمك قد يكون أكبر من الظلم الذي وقع عليك. في التخصيص في الإعلام، يجب بالتأكيد أخذ هذه الأمور في الاعتبار.
في المباحث السياسية، كشف العيوب لاختيار الأصلح من الحالات التي تتضمن تعارضًا، وقد يكون كشفها واجبًا. لكن يجب الانتباه إلى أن هذا يندرج تحت عنوان الغيبة، والحكم هو حرمة الغيبة! لكن بسبب التعارض والمصلحة، قد يصبح الأهم مقدمًا على الغيبة. لذا، يجب في كل حالة تقييم ما إذا كانت المصلحة أهم أم لا.
ماذا عن مرحلة صياغة الخبر؟ هل طريقة صياغة الخبر مهمة أيضًا؟
حيدري: ترتيب نص الخبر يمكن أن يعطي دلالة مختلفة للخبر. على سبيل المثال، إذا ذكرت جملة إخبارية بعد جملة سابقة، فقد تُحدث هذه الجملة الإخبارية دلالة جماعية لدى الجمهور. كل جملة على حدة قد تكون صحيحة، لكن ترتيبها معًا يعطي دلالة أخرى، وقد يقدم مجموعة باطلة، وهو ما يُسمى بالتضليل أو السواد. التضليل له أشكال مختلفة. ترتيب الجمل، مزج الجملة مع الصورة، مزج التعليق الصوتي مع الفيلم، كلها تندرج تحت عنوان الترتيب.
نقطة أخرى تتعلق بالترتيب أيضًا هي، على سبيل المثال، أن يُطرح سؤال على شخص، فيجيب بجملة صحيحة تمامًا، لكنه هو والآخرون يعلمون أن هذه الجملة في هذا السياق لها دلالة أخرى، ويفهم الجمهور دلالة مختلفة. المتكلم نفسه يعلم ذلك. هذا أيضًا يندرج تحت الترتيب. بث خبر في وقت معين، مع علم وكالة الأنباء أن بث هذا الخبر في هذا السياق له دلالة أخرى، ينطبق عليه أيضًا قاعدة الترتيب.
المصدر: مشرق