د. سيدة مريم برقعي

دراسة الأبعاد الفقهية للعنف ضد الزوجة/5

التغيرات في أجسام البشر عبر الزمن لا تؤدي إلى تغيير الحكم، وحتى لو افترضنا وجود تغيير ملحوظ، فإن تغيير جسم النساء لا يؤدي إلى تغيير أحكام مثل الختان، أو غسل الحيض، وغيرها؛ لأن أجسام الرجال أيضًا اختلفت في هذا العصر عن أجسام الرجال قبل 1400 عام، لكن حكم ختانهم لم يتغير.

إشارة: بقدر ما تمت مناقشة وبحث فقهي حول ختان الذكور وتم تحليل أبعاده في الكتب الفقهية، فإن ختان الفتيات لم يحظَ بالدراسة الجادة بنفس القدر. ربما يكون الحياء والحشمة المتوقعة من الفتيات قد امتدت إلى مناقشة هذا الحكم الفقهي. هذا الأمر أدى إلى وجود آراء متباينة في العالم الإسلامي حول ختان الفتيات؛ ففي بعض الدول الإسلامية، يُمنع هذا العمل، بينما في دول أخرى، لا يزال يُمارس كتقليد حسن. الدكتورة سيدة مريم برقعي، رئيسة معهد الفقه ومبادئ القانون في معهد الدراسات الإسلامية بجامعة الزهراء، تستعرض في هذه المقالة الخاصة الأبعاد الفقهية لختان الفتيات والروايات الواردة في هذا الشأن.

الاهتمام بشؤون المرأة والأسرة في العالم الإسلامي

يوفر الاهتمام بشؤون المرأة والأسرة في العالم الإسلامي أرضية لمناقشة فروع مثل ختان الفتيات. على الرغم من اختلاف المذاهب الفقهية في حكم ختان الرجال، فإن حكم ختان الفتيات في الفقه الإمامي قد شهد تباينًا في الآراء بسبب اختلاف تعابير الروايات. تأكيد الروايات على سنة ختان الذكور ونفيها عن الفتيات في العديد من الروايات، وتأكيد كونها مكرمة في بعض الروايات، يدفع إلى التعمق في مفهوم المصطلحات: «الختان سنة واجبة للرجال ومكرمة للنساء» [١].

اختار بعض الفقهاء، مثل صاحب الحدائق، أن ظهور كلمة «سنة» يدل على الاستحباب، وبالتالي يرجحون استحباب الختان حتى للرجال [٢]. بينما يرى آخرون، على عكس المتأخرين، أن السنة لا تُقابل الوجوب، وأن الأعمال التنفيذية للرسول الأكرم (ص)، سواء كانت واجبة أو مستحبة، تُسمى سنة [٣]. أما صاحب الجواهر فقد اعتبر كلمة «سنة» في هذه الروايات مقابلة للوجوب وتعني الاستحباب [٤].

بناءً على الروايات، وخاصة التأكيد على عدم الوجوب في بعضها، يُحرز في الخطوة الأولى الفرق بين النساء والرجال في الختان (عدم وجوبه على النساء). ويؤيد هذا الرأي رأي المشهور وقاعدة البراءة على عدم الوجوب. في الروايات التي تصل إلى حد الاستفاضة، يُذكر الفرق بين حكم ختان الرجال والنساء [٥]، وتدل بعضها على أن السائل كان يحتمل الحرمة، فأوضح النبي (ص) الحلية مع تذكيرات حول طريقة التنفيذ. بل إن بعض الروايات تشير إلى أن إجابة دعوة مؤمن لوليمة أو ختان مستحبة، لكن إجابة دعوة «خفض الجواري» أي ختان النساء ليست مستحبة:
«محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله (ع) قال: أجب في الوليمة والختان، ولا تجب في خفض الجواري» [٦].

حكم الختان بناءً على عبارة «مكرمة» في الروايات

من الضروري أولاً التأكيد على أن أدلة وجوب حفظ النفس وعرض الإنسان لا تفرق بين النفس والغير. وعلى الرغم من وضوح وجوب حفظ النفس والوقاية من الأذى والتحقير، فإن إكرام النفوس أمر مستحب بذاته، وتهيئة أسبابه مطلوبة. إلى جانب هذا البديهي، يدل حكم العقل ومذاق الشرع على ذلك. لذا، الحكم باستحباب ختان الفتيات ليس خاليًا من الوجه.

التحولات الاجتماعية مع التركيز على الأعراف والتقاليد

بما أن موضوعات الأحكام بعضها يُستنبط من الشرع وبعضها يُترك للعرف، فإن التغيرات الاجتماعية وتقدم العلوم وعوامل أخرى تؤدي إلى تغييرات في الموضوعات، مما يجعل الفقيه يرى من الضروري استنباط مراد الشارع في العلاقة بين الحكم والموضوع من الأدلة الأولية، وتطبيق العناصر الثابتة على العناصر الجديدة. التغيير في الحكم بسبب تغيير الموضوع يمكن تصوره على عدة أوجه: أحيانًا يؤدي انتفاء قيد الموضوع إلى تغيير الحكم، وفي حالات أخرى، يكون لتغيير العرف والتقاليد دور في الحكم. من ناحية أخرى، العديد من الأمور مثل زراعة الأعضاء والتلقيح الصناعي هي مسائل مستحدثة بحتة لم تكن موجودة في زمن الشرع. ما هو مؤكد أن ختان النساء كان موجودًا في زمن صدور الأحاديث.

التغيرات في أجسام البشر عبر الزمن لا تؤدي إلى تغيير الحكم، وحتى لو افترضنا وجود تغيير ملحوظ، فإن تغيير جسم النساء لا يؤدي إلى تغيير أحكام مثل الختان، أو غسل الحيض، وغيرها؛ لأن أجسام الرجال أيضًا اختلفت في هذا العصر عن أجسام الرجال قبل ١٤٠٠ عام، لكن حكم ختانهم لم يتغير. بعبارة أخرى، إذا اعتبرنا التغيرات الطبيعية في الكائنات سببًا لتغيير الأحكام، فسيكون من الضروري إعادة النظر في معظم الأحكام تقريبًا، مما يؤدي إلى زوال الشريعة الإسلامية وظهور دين جديد. بينما من المؤكد أن «حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة» [٧]. لذا، يوجد استصحاب للحكم السابق «استحباب ختان الفتيات»، ومع مجرد الاحتمال، يبقى الحكم قائمًا حتى يتحقق اليقين بتغيير الموضوع.


[١]. العاملي، الحر، محمد بن حسن، وسائل الشيعة، ٣٠ مجلدًا، ج‌٢١، ص: ٤٣٧.
[٢]. البحراني، آل عصفور، يوسف بن أحمد بن إبراهيم، الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ج‌٢٥، ص: ٥٤.
[٣]. الزنجاني، سيد موسى شبيري، كتاب النكاح (زنجاني)، ج‌٢٥، ص: ٧٨٨٥.
[٤]. النجفي، صاحب الجواهر، محمد حسن، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌٣١، ص: ٢٦١.
[٥]. باب خفض الجواري. الكليني، أبو جعفر، محمد بن يعقوب، الكافي (ط – الإسلامية)، ج‌٦، ص: ٣٧-٣٨؛ باب وجوب الختان على الرجال وعدم وجوب الخفض على النساء، العاملي، الحر، محمد بن حسن، وسائل الشيعة، ج‌٢١، ص: ٤٤٠-٤٤٣.
[٦]. العاملي، الحر، محمد بن حسن، وسائل الشيعة، ج‌٢٤، ص: ٢٧١.
[٧]. العاملي، الحر، محمد بن حسن، وسائل الشيعة، ج‌٣٠، ص: ١٩٦.

Source: External Source