الاقتصاد الإسلامي، مثل التربية الإسلامية، والسياسة الإسلامية، والطب الإسلامي، ومفاهيم مشابهة، ظل لسنوات محل نقاش وجدل بين العلماء المسلمين. ونظراً لأهمية الاقتصاد الإسلامي في السنوات الأخيرة، فقد كان محورًا رئيسيًا للحوار. د. ناصر إلهي، مواليد ١٣٤٠ هـ في كرمان، إلى جانب دراسته في مستوى الدراسات العليا في الفقه وأصوله بمعهد قم العلمي، حصل على بكالوريوس في الاقتصاد النظري من جامعة مفيد، وماجستير في العلوم الاقتصادية من جامعة طهران، ودكتوراه في العلوم الاقتصادية من جامعة الإمام الصادق (ع)، وما بعد الدكتوراه في “دراسة الأخلاق والاقتصاد” من جامعة نوتردام الأمريكية. وهو أستاذ مشارك في قسم الاقتصاد بجامعة مفيد، ويؤمن بجدية بالاقتصاد الإسلامي، ولكن ليس بالمعنى الذي يفهمه الآخرون. في هذا الحوار الخاص مع الفقه المعاصر، يتحدث عن إمكانية وجود اقتصاد إسلامي وصياغته لهذا المفهوم.
الفقه المعاصر: يرى البعض أن الاقتصاد الإسلامي يتعارض أولاً مع أهداف التشريع، لأن الدين جاء لهداية البشر وتوضيح الأمور التي لا يمكن فهمها إلا بالهداية الإلهية، وليس أمورًا مثل الاقتصاد الإسلامي القابل للفهم بالعقل البشري. ثانيًا، نظرًا لتغير المجتمعات والناس والموضوعات وأساليب التفاعل بينهم، فإن صياغة نمط اقتصادي يظل فعالًا لأكثر من ألف عام أمر مستحيل. ما رأيك في هذا؟
إلهي: السؤال جدي للغاية، وأنا أيضًا أرى بطريقة ما أن الاقتصاد الإسلامي بالمعنى الذي يعكسه السؤال ليس له أي معنى صحيح. ومع ذلك، أنا مؤمن بشدة بالاقتصاد الإسلامي، ولكن ليس كما يُطرح في سياق هذا السؤال. أعتقد أن الإسلام، كدين شامل وعالمي وأزلي وأبدي، وهو الدين الذي نادى به جميع الأنبياء، يحتوي على أهداف معينة.
هذه الأهداف هي التي تحدد الأنشطة الاقتصادية. يمكن أن تستند هذه الأهداف إلى العدالة والإنسانية، ووضع الإنسان في صميم المعادلات الاقتصادية. هذا موجود في جميع الشرائع. بالطبع، حاولت الشرائع، بناءً على الظروف المجتمعية، تحقيق هذه الأهداف بما يتناسب مع القيود الاجتماعية والاقتصادية والجغرافية والمحلية. فمثلاً، نظام إنتاج العبيد لم يكن له علاقة بالدين، بل كان من متطلبات تلك المجتمعات. لكن الدين حاول، مع مراعاة هذه الظروف، إيجاد طريقة لتحقيق الأهداف الثابتة والدائمة.
لذا، إذا نظرنا إلى الدين والشريعة بهذه الطريقة، نجد أن الدين أمر غير مقيد بالزمان والمكان، بينما تتحقق الشرائع في إطار الزمان والمكان. يجب أن نؤمن بأن العلاقات الاقتصادية الناشئة تتعلق بالأهداف والقيود. الإسلام يسعى إلى تغيير الرؤى العالمية، وعندما يتغير منظور الإنسان لنفسه والمجتمع والطبيعة والله، تتغير العلاقات الاقتصادية بناءً على هذه المتطلبات الزمنية. فالعلاقات الاقتصادية في مجتمع إسلامي تختلف تمامًا عنها في مجتمع إلحادي، مما يؤدي إلى ظهور نوعين من القوانين. ما نسميه الآن “اقتصاد” هو في الحقيقة القوانين التي تحكم العلاقات بين الظواهر الاقتصادية، مثل تأثير تغيير حجم النقود على التضخم أو التوظيف. هذه ليست قضايا دينية ولا تندرج ضمن توقعات القضايا الدينية.
ومع ذلك، فإن التنظيم النهائي للمجتمع لا يمكن أن يكون منفصلاً عن الدين، بل له جذور في الرؤية الدينية. تتشكل التفاعلات بناءً على هذه الرؤية، والإسلام يسعى إلى تغيير المجتمع لخلق تنظيم جديد ونظرة جديدة. عندما تتغير الرؤى، لن يعمل المجتمع بنفس الأهداف السابقة. القرآن يرى أن الذين يتعاملون بالربا يفتقرون إلى الاعتدال وهم تحت سيطرة الشيطان، مما يعكس نظرة فاسدة يسعى الإسلام لتغييرها، بحيث يُنظر إلى المال كأداة وليس هدفًا.
في رأي الإسلام، يجب استخدام المال لتحقيق الأهداف الإنسانية وتعزيز التماسك الاجتماعي. الإنفاق في هذه العلاقات المؤسسية يمكن أن يوسع الاقتصاد. في مجتمع يهيمن عليه الربا، لا يتشكل الأمن أو رأس المال الاجتماعي، لأن هناك فئة تستغل الآخرين، بينما يعجز آخرون عن تلبية احتياجاتهم. هذا المجتمع المنقسم لن يحقق الأمن أو يرسخ رأس المال الاجتماعي، وبالتالي لن ينمو. أما في مجتمع يسود فيه الإنفاق، حيث يشعر الجميع بأن الآخرين يهتمون بهم، ينشأ تماسك اجتماعي، وهذا المجتمع، وفقًا للقرآن، سيكون مزدهرًا وستعم عليه البركات.
لذلك، الإسلام لا يسعى لبناء مؤسسات أو تفسير العلاقات بين الظواهر، بل يغير الرؤى العالمية. وعندما تتغير هذه الرؤى، يسعى الفاعلون لتغيير التنظيم المؤسسي للمجتمع، مما يؤدي إلى تغيير قواعد اللعبة. لا يمكننا القضاء على البنوك الناتجة عن المجتمع الرأسمالي بمجرد هندسة قواعد جديدة، بل يجب تغيير وظائف هذه المؤسسات بقوانين وتشريعات جديدة. لذا، أؤمن بصحة الاقتصاد الإسلامي، ولكن ليس بمعنى أنه ينبع من الدين، بل من عقول الفاعلين الذين يؤمنون برؤية عالمية جديدة. هذا المعنى يختلف كثيرًا عما يقوله الآخرون.
الفقه المعاصر: هل وصف الاقتصاد بدين مثل الإسلام له سوابق بين أصحاب الأديان الأخرى؟
إلهي: نعم، هناك اقتصاد مسيحي أو يهودي، وإن كان اليهودي أقل شيوعًا. المسيحية، وخاصة الكاثوليك، لديهم دراسات واسعة في الاقتصاد المسيحي، وحاولوا صياغة اقتصاد يتماشى مع مبادئهم الدينية. يمكن القول إنهم كانوا روادًا في هذا المجال. عارضت الكنيسة العديد من التغيرات في عصر التنوير، معتبرة أنها لا تتماشى مع المسيحية، ولها تاريخ طويل في هذا المجال. ومع ذلك، لم يتمكنوا من تقديم اقتصاد مسيحي قابل للتطبيق، لأن هوية المجتمع ليست دينية وتهيمن عليه الرأسمالية، مما يجعل من الصعب قبول قواعد تستند إلى قيم أخرى.
الفقه المعاصر: هل يمكن إنشاء باب فقهي يسمى فقه الاقتصاد، وهل تحقق ذلك بالفعل؟
إلهي: نعم، هذا ممكن. إذا سعى الفاعلون الاقتصاديون الدينيون إلى تحقيق الرؤية الإسلامية، فمن الطبيعي أن يدرسوا تبعات أي فعل اقتصادي وكيفية ظهور هذه التبعات.
لكن لدي اعتراض أساسي، وهو أن الفقه الحالي يركز فقط على تحديد التكليف، أي ما إذا كان الفعل يستحق العقوبة الإلهية أم لا، ولا يهتم كثيرًا بالتبعات. على سبيل المثال، ما هي تبعات نظام الضرائب؟ هل هذه التبعات تتماشى مع ما يسعى إليه الإسلام؟ يجب أن يتطور الفقه ليهتم بهذه التبعات ويفحص المشكلات والفرص التي يمكن أن تنتج عن هذا التنظيم المؤسسي.
قد يعترض البعض بأن الحكم لا يمكن أن تكون مقيدة أو محددة، لكنها يمكن أن تكون مؤشرات. إذا وجدنا أن وظيفة مؤسسة لا تتطابق مع الحكم التي يريدها الشارع، فهذا يعني أن فهمنا كان خاطئًا وأننا لم نصمم تلك المؤسسة بشكل صحيح.