إشارة:
يتقدم فقه الاقتصاد، من حيث الكتابات المتوفرة في الفقه الشيعي والسني، على العديد من الأبواب الفقهية الأخرى. وهذا يجعل دخوله إلى الساحة الدولية أسهل وأكثر إتاحة من غيره من الأبواب الفقهية. هنا يطرح السؤال: هل لفقه الاقتصاد الإسلامي ميزة مهمة وجوهرية مقارنة بغيره من المدارس الاقتصادية تمكّنه من أن يُعتبر مكتباً اقتصادياً أو قانوناً اقتصادياً مهماً على الساحة الدولية؟ يرى حجة الإسلام والمسلمين محمد جواد قاسمي أصل أصطهباناتي أن أهم ميزة تنافسية لفقه الاقتصاد الإسلامي هي خزينته من القواعد الأصولية والقواعد الفقهية والأحكام الفقهية التي تستمد من منبع الوحي اللا نهائي. ومع ذلك، يرى هذا الأستاذ والباحث في فقه الاقتصاد أن التحول إلى الساحة الدولية مرهون باتخاذ خطوات يشرحها بالتفصيل في هذا الحوار. نص الحوار الحصري مع فقه معاصر مع هذا العضو في هيئة التدريس بقسم الاقتصاد في معهد الإمام الخميني التعليمي والبحثي يمر أمامكم:
نص الحوار:
فقه معاصر: ما هي المزايا التنافسية المفهومة للعالم المعاصر لفقه الاقتصاد والاقتصاد الإسلامي للتواجد في الساحة الدولية؟
قاسمي: لدينا ثلاثة أنماط من التواجد؛ التواجد الأول هو التواجد الانفعالي، بمعنى أن نذوب في الفكر والتفكير والأداء السائد حالياً في العالم، وأن نحاول بأي طريقة إثبات أنفسنا ضمنه.
التواجد الثاني هو التواجد التفاعلي؛ أي أن نكون طرفاً وهم طرفاً آخر. هنا، الشرط الأساسي هو أن نصبح بحجم يضاهيهم ونمتلك قوة دولية. هذا النمط من التواجد له متطلباته، ويبدو أنه هو المقصود حالياً.
التواجد الثالث هو التواجد الإظهاري: «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ»؛ أي أن نعلن الدين ونجعل فقه الاقتصاد الإسلامي الخاص بنا يتغلب على العالم بأسره ويصبح العملة الرائجة. هذا طموح ليس بعيداً عن المتناول، لكنه يتطلب شروطاً وعوائق وضوابط كثيرة.
مسألة أخرى هي: ماذا نعني بالدولية؟ للدولية معانٍ عدة. إحداها هي الدولية الإسلامية. إذا أردنا إدخال فقه الاقتصاد الإسلامي إلى الساحة الدولية، يجب أن نبدأ بإدخاله في البيئة الإسلامية، التي تشمل حوالي ربع سكان العالم من حيث العدد. بعبارة أخرى، إذا تمكنا من تشكيل اقتصاد موحد مع الدول التي تقبل الإسلام ظاهرياً وتطبق الشريعة، فإن هذه الدول لها الأولوية على غيرها.
وفي الاقتصاد الإسلامي، لدينا مجال خاص ومميز يُعرف باسم اقتصاد المقاومة. يمكن لدول محور المقاومة أن تشكل اقتصاداً دولياً فيما بينها. إلى جانب ذلك، لدينا أيضاً اقتصاد يتجاوز الإسلام يُعرف باسم اقتصاد المستضعفين، وهو مشابه لحركة عدم الانحياز، حيث تمتلك هذه الدول القدرة على إنشاء اقتصاد مستقل. بعد تنفيذ الاقتصاد في هذه الدول، يمكننا بعد ذلك الانتقال إلى الدول الأخرى.
أما المزايا التنافسية لفقه الاقتصاد الإسلامي، فهي تتمثل في الواقع في خزينة ضخمة من القواعد الأصولية والقواعد الفقهية والأحكام الفقهية القانونية المتعلقة بالاقتصاد، والتي يعود تاريخها إلى أكثر من ١٠٠٠ عام وتستند إلى منبع الوحي اللا نهائي واليقيني. من الناحية الاجتماعية والتاريخية والثقافية، من المثير للاهتمام عالمياً أن توجد مثل هذه المجموعة الغنية من الأعمال الفقهية والقانونية في مكان واحد، وهذا بحد ذاته يمكن أن يخلق أرضية كبيرة للتواجد في المحافل الدولية، حتى لو كانت هناك اختلافات في التفاصيل الفقهية بين المذاهب الإسلامية. في هذا السياق، هناك مثالان جديران بالاهتمام:
الأول هو قاعدة الإلزام، التي تُفيد بإيجاز أن كل شخص يتعامل مع المتدينين بمذاهب أخرى يجب أن يقبل قوانين مذهبهم الفقهية؛ بمعنى أنه يجب أن يتعامل مع أتباع المذاهب الأخرى وفقاً لمذهبهم. والثاني هو مسألة الأحكام الثابتة والمتغيرة، التي توفر قدرة عالية في الفقه للتجديد والتفاعل مع العالم.
فقه معاصر: ما هي خصائص فقه الاقتصاد الإسلامي مقارنة بغيره من الأديان والمذاهب؟
قاسمي: لا أستطيع أن أعطي إجابة قاطعة على هذا السؤال، لأن معرفتي بالأديان والمذاهب الأخرى ضعيفة جداً. ومع ذلك، سأذكر ما أفهمه من الاختلافات، وما يستحق التفكير فيه، وربما ما له بعض الأدلة. تتمثل اختلافات فقه الاقتصاد الإسلامي مع الأديان والمذاهب الأخرى في النقاط التالية:
أولاً، السنن التي ذُكرت في القرآن الكريم كمصدر فقهي، سواء كانت سنناً اجتماعية أو اقتصادية، والتي وردت بكثرة في القرآن الكريم، وتشكل أسس تشكيل النظريات الدينية والعلمية في الاقتصاد. هذه السنن تتضمن: الحقائق التي تحكم المجتمع والاقتصاد، والحقائق المتعلقة بكيفية تصرف الإنسان في المجال الاقتصادي الاجتماعي، والإنسان الاجتماعي، والإنسان الاقتصادي، وما هي الضوابط التي تحكم المجتمع؟ وما هي القوانين التي تحكم التاريخ الاقتصادي؟
النقطة الثانية هي الهداية التشريعية الثابتة التي عُبر عنها في قالب الفقه. كانت تلك السنن هداية تكوينية، لكن هذه الهداية هي تشريعية وثابتة. هذه الهداية، التي قُدمت في حزمة واسعة وكبيرة، لديها القدرة على الإجابة على جميع قضايا المجتمع. المسألة الأخرى، إلى جانب هذه الهداية التشريعية الثابتة، هي أصول الفقه وقواعده الفقهية لدينا؛ وهي خزينة يجب دراستها وتقييمها ومقارنتها مع قواعد وأصول المدارس الاقتصادية الأخرى، رغم أن من غير المرجح أن تكون أصول وقواعد المدارس الأخرى غنية وواسعة إلى هذا الحد.
النقطة الثالثة هي الهداية التشريعية المتغيرة التي تم تهيئتها في الإسلام في قالب الإمامة، ثم في قالب الولاية. سواء قبلنا بولاية الفقيه أو قبلناها من باب الحسبة، ففي كلتا الحالتين، لدينا في الشريعة هذه الهداية التشريعية المتغيرة والمحدثة والمتجددة، التي تم تهيئة هيكلية رسمية لها تحت عنوان الإمامة والولاية. تقرر الإمامة والولاية، بناءً على المبادئ الثابتة للشريعة وموقف الميدان، كيفية توجيه مسار المجتمع بحيث لا ينحرف عن تلك المبادئ العامة المقبولة.
فقه معاصر: هل لفقه الاقتصاد الحالي القدرة الكافية للتواجد في الساحة الدولية، أم أننا بحاجة إلى تغييرات في طريقة الاستنباط، والقواعد، والأدلة، وغيرها لتمكين هذا التواجد؟
قاسمي: في الإجابة على هذا السؤال، يجب أن نقول نعم ولا! نعم، من حيث أن فقه الاقتصاد بقدرته الحالية يمكنه القيام ببعض الأعمال؛ ولا، من حيث أنه إذا أريد أن يكون مثالياً، يجب أن تحدث فيه تحولات. التوضيح كالتالي:
فقهنا، على عكس التفسير، شُكل منذ البداية على أساس المسائل، لكن هذا التوجه نحو المسائل توقف عند أفق المسائل الجديدة. بعبارة أصح، كانت مسائلنا في السابق مسائلنا الخاصة أو ربما كانت محلية، لكن الآن أصبحت المسائل مستوردة، وقد زاد حجم وسرعة دخول المسائل الجديدة والتصاميم والقواعد والعقود وآليات العمل الجديدة، ولم يعد لدينا الوقت لهضمها. عندما نواجه قضية بشكل مفاجئ، لا يمكننا الرد عليها بالشكل المناسب.
المسألة الثالثة هي أن دخول موضوعات المسائل الفقهية أصبح شديداً ويأتي من مصادر غير موثوقة ومصادر نجسة وغير نظيفة. في الوقت الحالي، القوة القانونية المسيطرة على العالم، التي تصمم ضوابط للمسائل الاجتماعية والقانونية والسياسية والعقود، تتكون من أشخاص غير نظيفين يقومون بهذا العمل بأيدٍ نجسة ومواد نجسة، كما لو أن كلباً يعد كباباً من لحم الخنزير، وقد سيطر على السوق ويقدم بسرعة هذا الكباب المصنوع من لحم الخنزير الذي أعده الكلب، والذي تحلل مواده من الدم والنجاسات. في الوقت الحالي، في العقود، يحدث شيء مشابه لهذا الحادث.
لمواجهة هذا التحدي، يجب أن نستخدم القواعد الأصولية المشتركة بين الوقت الحاضر والماضي، عندما لم تكن مدخلات المسائل الفقهية بهذا الحجم ومن هذا النوع من المصادر غير الموثوقة والنجسة، مثل قاعدة الاستظهار من النصوص، أو القواعد الفقهية مثل قاعدة لا ضرر، وأصالة الصحة، وسوق المسلمين، والإلزام، وغيرها، أو النظريات الدينية مثل تحليل أن مصدر الاستحقاق هو العمل المفيد، أو نظرية المشاركة مقابل الأجرة والعمالة.
بشكل عام، يجب القول إن التغييرات في القواعد والأصول ضرورية. ولتحقيق هذه التغييرات، يجب اتخاذ خطوات.
الخطوة الأولى هي أن نزيل القواعد الانفعالية مثل العمل بسيرة العقلاء، وأن نستفيد من القواعد النشطة. في الوقت الحالي، أصبحت سيرة العقلاء قاعدة انفعالية. من هم العقلاء المقصودون؟ هل هم العقلاء اليهود المناهضون للإسلام، أو الصهاينة المناهضون للإسلام، أو العقلاء اللا دينيون، أم العقلاء المؤمنون والمتدينون؟ هذه مسألة مهمة للغاية. ومع ذلك، فإن العقل ليس إلا جهازاً حسابياً وليس مصدراً، بينما يبدو أن البعض يعتبر العقل مصدراً.
الخطوة الثانية هي كسر القواعد الانعزالية. القواعد الانعزالية هي تلك التي كانت ترى المكلف فرداً فقط ولها نظرة فردية، بينما إذا اعتبرنا المكلف هو عامة الناس أو الحكومة، فمن المحتمل أن تتغير النتيجة. إذا جعلنا نهجنا نهجاً حضارياً، أي فقهاً يريد أن يكون مؤثراً في العالم، أو حكومياً، أي تحديد تكاليف الحكومة، أو اجتماعياً، أي أن يرى الفقه أي تأثير يمكن أن تحدثه الفتوى في المجتمع، فمن المحتمل أن تتغير النتائج الفقهية.
الخطوة الثالثة هي الدخول الجاد في مناقشة تحديد الموضوعات والخروج من المباحث المجردة. يقول الشهيد الصدر: لدينا عقلانية رياضية تحكم في بعض الأماكن من أصولنا، وتقوم على أن يكون كل شيء مرتباً ونظيفاً ومنطقياً بحسابات دقيقة… ولكن لدينا أيضاً عقلانية اجتماعية. التعامل مع المجتمع لا يمكن أن يتم بالعقلانية الرياضية، بل يتطلب التخمين والمشاهدة والرجوع.
الخلاصة هي أن الحضارة تمر عبر المجتمع، والمجتمع يحتاج إلى حكومة، والحكومة تحتاج إلى فقه، والفقه يعتمد على أصول. لذا، للوصول إلى الحضارة الإسلامية، يجب أن نطور الأصول.
فقه معاصر: ما هي الإجراءات والسياسات التي يجب اتخاذها لتواجد فقه الاقتصاد الإسلامي في الساحة الدولية؟
قاسمي: يبدو أنه يجب علينا أولاً معرفة أنفسنا والتعرف على ذواتنا؛ أي أن نرى إذا كنا، في مواجهة هذا الجبهة الموجودة التي تفرض فقهها الخاص، أو كما يعبر بعض العلماء الكبار، الفقه الغربي على العالم، قادرين على أن نكون بديلاً موثوقاً وسليماً، وأن نخطو خطوة نحو سعادة العالم لجميع البشرية؟ لأن القوالب القانونية هي التي تشكل وتوجه التحركات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
بعد معرفة الذات، يجب أن نصل إلى الثقة بالنفس. وهذا يتطلب عقد جلسات وتجمعات لفحص الأبعاد المختلفة لما نملكه، بما في ذلك نقاط القوة والضعف.
الخطوة الثالثة هي تجنيد الحلفاء وتشكيل جبهة؛ أي تحقيق التدويل لفقه الاقتصاد الإسلامي. لنأتِ ونشكل جبهة مشتركة دولية لفقه الاقتصاد، ثم نتحرك نحو إنشاء جبهة مشتركة دولية للمستضعفين. هذا العمل بالطبع يتم تدريجياً وليس دفعة واحدة.
عندما تتشكل هذه الأرضيات الاجتماعية الدولية، يحين الوقت لطلب مقعد في المؤسسات القانونية الدولية حتى يتم الاعتراف بكلامنا. ولكي يتم الاعتراف بكلامنا، يجب أن يكون لنا مقعد هناك، وأن ننتقل من التفاعل إلى الإظهار؛ أي من التفاعل مع الوضع العالمي الحالي إلى الهدف والرؤية الإظهارية التي يذكرها القرآن: «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» و«وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ». هذه الرؤية ليست بعيدة: «إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا».