مقدمة: كان آية الله العلوي البروجردي، من أساتذة البحث الخارج في الفقه والأصول بالحوزة العلمية في قم، قد طرح في حوار له مسائل حول الاقتصاد الإسلامي أثارت ردود فعل في الحوزة العلمية. ومن بين هذه الردود، كانت كلمات حجة الإسلام والمسلمين خسرو پناه، من أساتذة الحوزة العلمية في قم، الذي رفض كلام الأستاذ العلوي البروجردي ودعاه إلى حوار ومناظرة علمية. وفي شهر مارس ٢٠٢١ (اسفند ١٣٩٩)، عُقد هذا الحوار العلمي بين هذين الأستاذين الحوزويين، وتقرؤون تفاصيله في ما يلي:
مدير الحوار: نحن اليوم في حضرة سماحة آية الله العلوي البروجردي، وكذلك في حضرة الأستاذ الجليل الحاج خسرو پناه.
العلوي البروجردي: أحسنتم. جزاكم الله خيراً. نحن أيضاً نقدّم تحياتنا واحترامنا لسماحة السيد خسرو پناه ولكم ولجميع الأعزاء، ونأمل إن شاء الله، كما قلنا، أن يكون الحوار أساساً لنا في الحوزة، فنحن لا نعتبر أي شيء من الثوابت سوى كلام الله والوحي وما ثبتت حجيته من جهة المعصومين، وكل ما عدا ذلك قابل للبحث والنقاش. وكل نوع من المباحثة والمجادلة في هذه الأمور يساهم في الكمال العلمي للحوزة. هذه كانت سيرتنا في الحوزة، ولا ينبغي أبداً أن يلحق بهذه السيرة أي خدش.
خسرو پناه: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله على رسول الله وآله الطيبين الطاهرين المعصومين، لا سيما حجة بن الحسن العسكري أرواحنا لتراب مقدمه الفداء. أنا أيضاً أقدم تحياتي واحترامي لجميع الأعزاء الحاضرين في الجلسة، وخاصة الحاج السيد العلوي البروجردي، حيث وفقنا الله في هذه الأيام المباركة أن نكون في هذا المكان القدسي الذي كان يحضر فيه يوماً ما آية الله العظمى الحائري اليزدي وآية الله العظمى البروجردي، وكانت فيه أنفاس قدسية تناجي الله، وكذلك اليوم هو يوم ولادة الإمام الجواد الأئمة، حسب التوقيت الدقيق، ونحن أيضاً على أعتاب الثالث عشر من رجب. أبارك لكم الولادة السعيدة لأمير المؤمنين مولى الموحدين، وأشكر الله على توفيق المشاركة في هذه الجلسة، وآمل أن يكون حوارنا علمياً وودياً.
مدير الحوار: الموضوع الذي تفضل الأفاضل بمنحنا وقتاً لنكون في خدمتهم بشأنه هو الاقتصاد الإسلامي. في شهر أكتوبر من هذا العام (مهر ١٣٩٩)، نُشر حوار وبيانات لسماحة آية الله العلوي البروجردي حول بحث الاقتصاد الإسلامي، وظهرت ردود فعل مختلفة وطُرحت آراء متنوعة، خاصة من قبل الحاج السيد خسرو پناه الذي أكد على أن هذا الموضوع مهم ويستلزم إجراء حوار في هذا الصدد. ونظراً لأن هذا المبحث قد طُرح من قبل الحاج السيد البروجردي، فإننا نطلب منه في البداية أن يستعرض آراءه التي كان قد بيّنها، والتي ربما لم تُطرح بشكل كامل، أو أن يتفضل ببيان بحوثه التكميلية، حتى نستفيد بعد ذلك من حضرة الأستاذ خسرو پناه.
ما هي الشريعة؟
العلوي البروجردي: بسم الله الرحمن الرحيم. ما نسميه بالشريعة والدين هو مجموعة من العقائد، والفقه، والأحكام، والأخلاقيات. هذه هي المجموعة التي لدينا. في بحث العقائد، هناك المباحث الكلامية. وما نتعامل معه الآن هو الفقه. فقهنا هو مجموعة من الأحكام، والشيعة تمتلك أحد أغنى أنواع الفقه؛ لأننا نتمتع بتراث روائي غني جداً في الروايات التي لدينا. ولأننا نعلم أن موضوع الفقه هو فعل المكلَّف، والأوامر والنواهي، فقد بيّن الأئمة في الروايات الفقهية مسائل حول هذه الأوامر والنواهي، ولنلتفت إلى أن الحكم يأتي دائماً على موضوع، والموضوع يجب أن يكون متحقِّقاً ليأتي الحكم عليه.
أنواع الموضوعات الفقهية
موضوعاتنا على قسمين؛ لدينا موضوعات شرعية، وموضوعات أخرى لم يحددها الشرع. يقال لنا إن الصلاة واجبة. الصلاة ماهية مخترَعة بتعبيرنا؛ أي أن الشرع نفسه قد أوجدها، وليس لها هيئة تكوينية. والحج أيضاً ماهية مخترَعة. الشرع قال إن الصلاة هي كذا والحج هو كذا. ولكن لدينا موضوعات لم يحددها الشرع. في هذه الموضوعات يجب علينا دائماً أن ننقّح الموضوع، ليترتب عليه الحكم، أي ليأتي الحكم عليه. ومن أين نجد هذا الموضوع؟ قيل لنا يجب مراجعة العُرف. لدينا حالات استثنائية حُددت فيها هذه الموضوعات في الشرع، حسب رأي البعض. مثلاً في الغِيبة؛ ما هي الغيبة؟ لدينا رواية تقول: «ذكرك أخاك بما يكره»، أو «ذكرك أخاك بما ستره الله عليه». ولكن – لنفترض – في الغِناء ليس لدينا موضوع شرعي. ما هو الغناء؟ ليس لدينا موضوع شرعي في هذا الصدد، وفي كثير من الموارد الأخرى. قيل لنا أن نرجع إلى العرف. العرف يعني ما هو معمول به عندهم، وهذا العرف قد لا يكون عرفاً عاماً بل عرفاً خاصاً. لدينا مسائل طبية، في الأمور الطبية؛ لذا يجب أخذ الموضوع من عرف أهل الطب. اليوم والآن تظهر مسائل جديدة؛ مثلاً المسائل الجينية ومسائل زراعة الأعضاء وأمثالها، حيث إنه مع ظهور الموضوع، نبيّن حكمه في الشرع.
الروايات التعليمية والاستفتائية
أحد هذه الموارد هي المسائل الاقتصادية. لدينا مجموعة من الروايات؛ يسأل الناس الأئمة فيجيبون. انتبهوا إلى أن الروايات قسمان؛ روايات تعليمية وروايات استفتائية. رواياتنا التعليمية محدودة، حيث يبيّن الإمام الباقر والإمام الصادق (ع) مبحثاً ويعلّمانه. أما غالبية رواياتنا فهي استفتائية؛ أي أن الراوي يسأل الإمام عن مسألة ابتُلي بها، ولذا فإن جواب الإمام ناظر إلى ذلك السؤال. كان للسيد البروجردي دقة في أنه يجب علينا في الروايات الاستفتائية أن ننتبه إلى الظرف الذي يُطرح فيه السؤال.
بداية الاستفتاء من أهل البيت (ع)
أعرض هذه المقدمة وإن طالت، وهي أنه في زمن الإمام علي والإمام الحسن وسيد الشهداء (ع)، كان التصور الموجود للأحكام في زمن النبي (ص) لا يزال في الأذهان. السؤال قليل، والأصحاب حاضرون، والاختلاف قليل؛ إلا في الموارد ذات البعد السياسي، وإلا فالاختلاف قليل نوعاً ما. من زمن الإمام السجاد (ع) فصاعداً، حيث يبدأ عصر التابعين، أو أواخر عصر الصحابة، تخفت الموضوعات المتصورة وتُنسى، ويُسأل عنها القضاة والمفتون. في هذا الزمان تكون الأجوبة مختلفة ويبدأ هذا الاختلاف من هذا الزمان؛ وبحث التخطئة والتصويب الذي هو بحث كلامي، يبدأ من هنا. ونظراً للأجوبة المختلفة التي كانت تُطرح من أشخاص مختلفين، ولأن الأجوبة كانت تتعدد، قالوا إنه لا يوجد حكم الله واحد، وكل ما يقوله أي شخص هو حكم الله: أي التصويب. وقد استقر هذا في كلام فقهاء العامة، وهو كما يقول السيد البروجردي، بحث كلامي، ولذا فإنه يشكل بأن «التصويب المجمع على بطلانه» ليس موضع إجماع أصلاً، فالمسألة الكلامية ليست موضع إجماع.
ولكن من أواخر عهد الإمام السجاد (ع)، يأتون ويسألون. كان السؤال موجوداً، ولكنه كثر في هذا الزمان. لماذا؟ لأن حكام العامة كانوا يجيبون إجابات مختلفة. وكان ذلك التصور السابق موجوداً بالجملة، فكانوا يسألون. وفي عهد الإمام الباقر (ع) يكثر السؤال، ويبلغ ذروته في زمن الإمام الصادق (ع)؛ لذا يقول السيد البروجردي إنه في هذه الأسئلة يجب أن نرى في أي مكان وأي مدينة كان ظرف السؤال الروائي. ومن هو الفقيه البارز هناك الذي كان من الممكن أن يصل رأيه إلى سمع هذا الراوي ويكون مؤثراً؟ جواب الإمام ناظر إلى ذلك السؤال، ولذا ففي كثير من الموارد لدينا انصراف في الرواية؛ فلا ينبغي بمجرد رؤية متن الرواية، كما في الفقه الفني، أن نسارع إلى التمسك بالإطلاق والعموم ونعتبر الأمر منتهياً. لا، [بل يجب أن نرى] هل ينعقد هذا الإطلاق؟ لأن الانصراف يمنع من انعقاد الإطلاق. هل يوجد انصراف أم لا؟
هؤلاء الأفراد يسألون والإمام يجيب. ما يُسأل عنه الإمام هو شيء قد وقع وهم مبتلون به وهو الموضوع؛ سواء كان اقتصادياً أو غير اقتصادي. رواياتنا هي هذه. هذه المعاملة وهذا العمل وهذه المبادلة كانت موجودة، والإمام يقول إنها صحيحة، أو غير صحيحة، أو هذا الجزء منها غير صحيح؛ لذا ظهر فقه المتاجر، وفقه المكاسب، وفقه الإجارة، والمزارعة، والمساقاة وكل هذه الأمور. هذه الموضوعات التي لدينا في هذه الروايات، من أين أتت؟ البيع (أحلّ الله البيع وحرّم الربا) كان موجوداً بين الناس ولم ينشئه الإسلام ويوجده. وقد ذكرت سابقاً أن رسول الله قبل البعثة، ذهب في رحلة تجارية لخديجة (س)؛ تجارة إلى الشام. على أي أساس كانوا يتعاملون؟ وهل عندما هاجروا إلى المدينة (دع عنك مكة) تغيرت كل تلك السيرة التجارية التي كانت لديهم وانقلبت وظهر موضوع جديد؟ الإجارة والبيع كانا كما هما. يصرح المرحوم الشيخ الأنصاري في مواضع بأن هذه الموضوعات كلها موضوعات موجودة لدى العقلاء. وعندما نقول سيرة العقلاء، فذلك لأن للعقلاء نظام معيشة؛ أي عندما يتجمع السكان ويتشكل المجتمع… وعندما نقول العقلاء أي أهل التعقل، يتشكل مجتمعهم ويضعون الأسس لاستمرار نظام حياتهم؛ مثل تشريعاتنا الحالية، للحفاظ على نظامهم العقلائي. في هذا النظام العقلائي، كان للعقلاء مبادلات. قبل الإسلام وبعد الإسلام كانت المبادلات موجودة. هذه المبادلات كانت موجودة، وعندما جاء الإسلام، في هذه المبادلات، وبناءً على الأسئلة التي كانت تُطرح على الأئمة، نلاحظ أن كلام الإمام ناظر إلى هذا الشيء نفسه الذي كان جارياً بشكل متعارف بين العقلاء وفي نظامهم. كانوا يؤكدون على مواضع معينة بأنها غير صحيحة؛ مثل المنابذة والمصافحة. ولكن غالباً ما كانت الإجارة بين العقلاء، والبيع بين العقلاء، حتى «أحلّ الله البيع وحرّم الربا»، أو «تجارة عن تراض»؛ كل هذه الأمور يقول الشيخ نفسه إنها ناظرة إلى السيرة العقلائية.
وهذا الإرشاد الذي عبرت به، انتبهوا إلى أن بعض السادة أشكلوا بأن هذه أحكام إمضائية. أحكامنا الإمضائية هي أيضاً إرشاد. لدينا أحياناً إرشاد إلى حكم العقل وأحياناً إرشاد إلى بناء العقلاء. هنا حيث هو إمضاء، يرشدنا الشارع إلى أن هذا بناء عقلائي وأنا أمضيته. ولكي ندقق في هذا الموضوع ونبحث جوانبه المختلفة، يجب أن نذهب إلى بناء ذلك الموضوع عند العقلاء؛ كما يفعل الشيخ أيضاً في المكاسب، أو علماؤنا الكبار في المتاجر.
الاقتصاد الإسلامي؛ إمضاء للاقتصاد العقلائي
لذا، فإن قولنا هو أننا لدينا نفس الأنظمة التي كانت لدى العقلاء في باب البيع في ذلك الزمان. لم يكن علم الاقتصاد بهذا الشكل موجوداً بين العقلاء. كانت تلك الأنظمة موجودة، وقد جاء الشارع واعتبر هذه الأسس. نفهم هذا من خلال الأسئلة التي طُرحت على الأئمة، ولذا في غالب هذه الموارد، ليس لدينا تأسيس بحيث يذكر الإمام بناءً اقتصادياً وتأسيسياً، بل هو إرشاد إلى ما كان موجوداً بين العقلاء.
منذ زمن الشرع وحتى يومنا هذا، ظهرت اليوم معاملات لم تكن موجودة في زمن الشرع؛ مثل فتوى المرحوم صاحب العروة بأن معاملات تظهر بين الناس لم تكن موجودة في زمن الشرع؛ كيف نحكم عليها؟ وظيفة الفقه هي الحكم في الموضوع، وهذه أيضاً موضوعات. يقول: ننظر، فنرى أن هذه بناءات عقلائية توجد بين الناس، نقارنها بعمومات وإطلاقات الشرع، فإن لم تكن مخالفة قلنا: إمضاء. لأننا هناك أيضاً لا نريد إمضاءً، بل نريد عدم الردع. يكفي ألا يثبت الردع. ونحن أيضاً في بحثنا قلنا إن المرحوم صاحب العروة يقول هذا بالنسبة للمعاملات، ونحن نقوله بالنسبة للحقوق؛ مثلاً حق الاختراع والاكتشاف والتأليف لم يكن موجوداً في زمن الشارع وظهر الآن. هذا حق عقلائي؛ ما يُبذل بإزائه المال. نحن أيضاً نقيس هذا بنفس المقياس، ولذا الفتوى التي نُقلت عن الإمام [الخميني] بأنه نفى حق التأليف، لم نقبل بها. حق التأليف حق عقلائي مثل المعاملات العقلائية؛ الحقوق العقلائية أيضاً نقيسها بنفس المعيار الذي كان يقوله صاحب العروة.
الاقتصاد كموضوع لا حكم
لذا، من حيث ماهية القصة، انتبهوا إلى هذا المعنى، وهو أن ما نسميه اليوم بالاقتصاد، هو بحث في الموضوعات وليس الأحكام. يجب أن نبحث في تنقيح وتشخيص الموضوع، والحكم موجود. المسألة الأخرى التي أصر عليها هي أن قدرة انطباق الحكم على الموضوعات في فقهنا قوية لدرجة أننا نعتقد أننا إذا دققنا في المسائل فلن نعجز. هناك قدرة عالية جداً في جميع المسائل، بما في ذلك المسائل الاقتصادية؛ الموضوعات الاقتصادية التي تظهر اليوم ولم تكن موجودة بالأمس، يمكننا اليوم أن نطبق عليها حكماً أولياً. بالإضافة إلى أن لدينا مجالاً واسعاً يسمى العناوين الثانوية وبحث التزاحمات التي تحدث، وهنا يكون الأمر مبنياً على المصالح وهو قصة أخرى ويأتي لمساعدتنا في وقت الضرورة، وليس مطلقاً. ولكن بشكل مطلق، نحن نبحث في الأحكام الأولية، ولذا أستنتج أن ما لدينا بين العقلاء والأنظمة العقلائية كان جارياً وسارياً وسيظل كذلك، وكما كان الشرع في ذلك الزمان يبيّن هذه الأحكام على تلك الموضوعات، يمكننا اليوم أيضاً بمعونة تلك الإطلاقات والعمومات أن نميّز.
بداية طرح الاقتصاد الإسلامي
كانت هذه نقطة أردت عرضها، ولها تتمة بالطبع. المسألة الأخرى التي لدينا هنا هي: لماذا ظهر بحث الاقتصاد الإسلامي؟ في الستينيات، جئت إلى قم عام ١٩٦٨، وقبل ذلك كنت أذهب إلى المدرسة الثانوية في طهران. كنا على صلة بالمرحوم السيد مطهري وبالمهندس بازركان. لا علاقة لي بالجوانب السياسية. كانوا متدينين. كنا نذهب إلى المدرسة الثانوية وكانت لنا مجامع ومجلة وكنا نقوم بأعمال في تلك الأيام. كانت لنا صلة بهؤلاء السادة وكانت لدينا مسألة وهي أن الفكر اليساري كان سائداً بين المثقفين والجامعيين. هذا البحث مطروح في الإسلام. أنتم تعلمون أن لدينا مذهبين اقتصاديين أساسيين؛ مذهب الشيوعية ومذهب الرأسمالية. مؤشر هذين هو أنه في الرأسمالية، يُعترف رسمياً بامتلاك رأس المال والملكية، وفي الشيوعية لا يُعترف بهما. هذا هو المؤشر الرئيسي. في ذلك الوقت عندما كنا شباباً وفي الجامعة، كنا ندخل في النقاش ويُسأل: ما هو رأي الإسلام في الاقتصاد؛ رأسمالي أم شيوعي؟ من شدة قوة الفكر اليساري، كان من العيب أن نقول رأسمالي؛ والرأسمالية، ليست بالمعنى الكابيتالي الأمريكي. عندما نتحدث عن ملكية الرأسمالية، فإننا نعني أصل المذهب، أي الاعتراف الرسمي بالملكية. كان هذا سيئاً. [في تلك الظروف] كان الرأسمالي كأنه مصاص دماء. في ذلك الوقت كنا نميل بأنفسنا إلى فصل الاقتصاد الإسلامي؛ أن نطرح شيئاً منفصلاً؛ لذا عندما كتب السيد محمد باقر الصدر كتاب “اقتصادنا”، قلبناه رأساً على عقب وألقينا محاضرات عنه. الآن يقول البعض إننا لم نره. كنا نتباهى كثيراً بكتابه. بالطبع لم نكن نعرفه ولم أره قط، ولكن لاحقاً عندما جاء أستاذه السيد محمد الروحاني إلى قم، درست عنده لمدة اثني عشر عاماً. كان السيد الروحاني يعتقد من الناحية العلمية بأن السيد الصدر كان عالماً وفقيهاً كبيراً. ولكن لا بأس؛ هذه الإشكالات التي نطرحها، لو كان السيد الصدر موجوداً، لكان رجلاً منصفاً. في ذلك الوقت كنا متحمسين ولم تكن هذه الإشكالات تخطر ببالنا. أما الآن فلدينا هذه الإشكالات. أي إن تلك الأسس والمؤشرات التي يطرحها للاقتصاد الإسلامي كعلم، مع أنه لا يعتبر الاقتصاد الإسلامي علماً؛ حتى كمذهب اقتصادي مستقل ومنفصل تماماً عن الرأسمالية. وأكرر مرة أخرى أن [بشأن مفهوم] الرأسمالية، أؤكد على أصالة الملكية، وليس بالمصطلح… ليس لدينا لفظ آخر لنقوله في مقابل الاشتراكية، نحن أنفسنا كنا نريد أن يكون لدينا عنوان مستقل. والآن الحال كذلك. يتهموننا بأننا نقول إن الإسلام يناصر الرأسمالية. الآن نجيب بطريقة أخرى، لكن في ذلك الوقت كنا متحمسين. انتبهوا. أحياناً كنا نريد أن نتحرك أسرع من الاشتراكيين؛ لذا كنا نطلق شعارات أكثر حدة. ظهرت بيننا روايات مثل «ما رأيت نعمة موفورة إلا وإلى جانبها حق مضيع»، ولم يكن لدينا سند أو أساس. كنا نقول هذه الأشياء. ولكن اليوم هو زمن يجب فيه أن ندخل في القضايا بدقة وتعمق وألا نضل الطريق، لأن ضلالنا الطريق يؤدي إلى ضلال عامة الناس. هذا هو عرضي الأولي.
مدير الحوار: شكراً. جناب السيد خسرو پناه! تفضلوا أنتم أيضاً في البداية ببيان الإطار النظري الذي لديكم في هذا المجال ورؤيتكم الكلية، لنواصل النقاش.
الاقتصاد؛ مصداق للحكمة العملية
خسرو پناه: أجدد شكري للسادة الأعزاء على عقد هذه الجلسة العلمية والحكيمة. إذا سمحتم، لن أعلق في هذا الجزء الأول على ما تفضل به الأستاذ العلوي البروجردي، وسأتركه للمرحلة التالية. على الرغم من أنني أتفق مع جزء كبير من كلامه ولا يوجد خلاف في الرأي، وفي سياق كلامه توجد ملاحظات وأسئلة سنستفيد منها إن شاء الله ويكتمل البحث.
في هذا القسم، أطرح بحثاً مستقلاً. بما أن موضوع البحث هو الاقتصاد والاقتصاد الإسلامي، أود أن أقول إن الاقتصاد كان أحد أقسام الحكمة العملية. وعندما يُقال “تدبير المنزل”، كان المقصود هو الاقتصاد، وبشكل أساسي الاقتصاد الجزئي. وهذا لا يعني أن الاقتصاد الكلي لم يكن موجوداً في الماضي؛ لأن الاقتصاد الكلي كان جزءاً من “سياسة المدن” وكان الاقتصاد الجزئي يُطرح كـ”تدبير المنزل”. ومقصودنا من الاقتصاد هو اقتصاد اليوم، أي من القرن التاسع عشر فصاعداً؛ لأن العلوم الإنسانية في العالم، وخاصة في العالم الغربي، مرت بأربع مراحل: مرحلة من اليونان حتى العصور الوسطى، ومرحلة من العصور الوسطى حتى عصر النهضة، والمرحلة الثالثة من عصر النهضة حتى القرن التاسع عشر، أي في فترة ديلتاي وفترة أوغست كونت، والمرحلة الرابعة تبدأ من القرن التاسع عشر. بحثنا ناظر إلى الاقتصاد والعلوم الإنسانية في المرحلة الرابعة.
علم الاقتصاد أم العلوم الاقتصادية؟
اليوم إذا تحدثنا عن الاقتصاد، فالمراد هو العلوم الاقتصادية؛ أي ليس علماً واحداً فقط. أشير باختصار إلى وجود مصطلح “فلسفة الاقتصاد” اليوم؛ ورؤية العالم الاقتصادية تندرج أيضاً ضمن فلسفة الاقتصاد هذه. والمصطلح الآخر هو “الأيديولوجية الاقتصادية”، ومصطلح “المذهب أو المدرسة الاقتصادية” الذي استخدمه الشهيد الصدر في “اقتصادنا” ناظر إلى هذا المصطلح الثاني. والمصطلح الآخر هو “فقه وحقوق الاقتصاد”، والذي يصبح في فضاء علومنا الإسلامية “فقه وحقوق الاقتصاد”. والمصطلح الرابع هو “علم الاقتصاد”. ولتجنب مغالطة “جمع المسائل في مسألة واحدة”، يجب النظر إلى كل من هذه المصطلحات بشكل مستقل؛ مثلاً، عندما يُقال “فلسفة الاقتصاد”، يجب الانتباه إلى الأسس الوجودية ورؤية العالم التي تحكم العلوم الإنسانية ومنها الاقتصاد.
أسس الاقتصاد الغربي
منذ عصر النهضة (Renaissance) فصاعداً، تم قبول ثلاثة أسس، وهذه الأسس الثلاثة سائدة في القرن التاسع عشر؛ أحدها الإنسانوية (Humanism)، والثاني الذاتانية (Subjectivism)، والثالث العلمانية (Secularism)؛ أي أصالة الإنسان، وأصالة العقل المؤسس لذاته، وأصالة الدنيا. ولكل منها معنى دقيق. دقيق لدرجة أنه إذا لم يتم التدقيق… مثلاً، يقولون “الأومانية الإسلامية” التي أراها مثل “مثلث ثماني الأضلاع”. هذا لا يعني أن الإسلام لا يقدّر الإنسان؛ كرامة الإنسان، وخلافة الإنسان وغيرها في محلها، ولكن ليس لدينا أومانية إسلامية، ولا علمانية إسلامية، ولا ذاتانية إسلامية، لأن الذاتانية تعني أصالة العقل المؤسس لذاته. والعقل المؤسس لذاته يعني أن الوحي ليس فاعلاً للمعرفة، الوحي ليس مصدراً للمعرفة. هذه المبادئ الثلاثة سرت في الاقتصاد الحديث، أي من القرن التاسع عشر فصاعداً، ولذا تشكل منها مبدآن آخران؛ أحدهما الربوبية (Deism) في الاقتصاد الرأسمالي، والآخر المادية في الاقتصاد الشيوعي والماركسي؛ لذا قبل الماركسيون والشيوعيون مبدأ المادية وأصالة المادة، وقبل النظام الرأسمالي الربوبية، أي اللاهوت الطبيعي (Natural theology). أي يجب بحث اللاهوت بالاكتفاء العقلي، وحتى لإثبات وجود الله والحديث عن الله، لا ينبغي الرجوع إلى النقل. هذا هو المقصود. هناك مبدأ آخر في الاقتصاد الحديث موجود في كل من الرأسمالية والماركسية والاشتراكية؛ يسمى الاسمية (Nominalism)، أي أصالة الاسم ونفي الكلية. أي نفي المنطق الذي نقبله نحن، والذي هو أساس بحوثنا الفكرية.
هذه المبادئ صنعت رؤية العالم الاقتصادية؛ أي إذا أراد شخص أن يفهم النظام الرأسمالي أو النظام الاشتراكي بدقة [فعليه الانتباه إلى هذه الأمور]. وكما تفضل الحاج السيد البروجردي بحق، عندما يُراد ترتيب حكم، يجب أن يُرتب على موضوع. والآن هنا نريد أن نرتب حكماً على موضوع الرأسمالية أو موضوع الاشتراكية، هل هو حلال أم حرام، وهل له حجية شرعية أم لا. هل هذا البناء العقلائي، الذي هو بناء عقلاء ماركسيين أو اشتراكيين أو ليبراليين، هل لدى الشرع ردع له أم لا؟ لذا يجب أولاً تنقيح الموضوع جيداً.
الفلسفة، مقدمة لفهم الاقتصاد
في رأيي، مع الاعتذار، لم يتم فهم الاشتراكية بدقة، لا قبل الثورة وفي زمن شيوع النقاشات الاشتراكية، لأن الخلفية الفلسفية الحاكمة على الاشتراكية… لأن الاشتراكية أيديولوجية، والماركسية أيديولوجية، والليبرالية أيديولوجية؛ والأيديولوجيات لها خلفية فلسفية. الشهيد مطهري الذي كان أستاذ فلسفة والشهيد الصدر الذي كان ملماً بالمباحث الفلسفية، كلاهما كانا فقيهين وتلمذا على أيدي الكبار وكان لهما وزنهما العلمي، وقد أدركا جيداً هذا الارتباط بين المباحث الفلسفية والمباحث الأيديولوجية؛ لذا يكتب الشهيد الصدر “فلسفتنا” قبل “اقتصادنا”. لماذا؟ في “فلسفتنا” بحثان؛ بحث رؤية العالم وبحث نظرية المعرفة أو الإبستمولوجيا. يبيّن الشهيد الصدر أولاً “فلسفتنا” ورؤية العالم ونظرية المعرفة لدى كانت والكانتيين الجدد وما قبل كانت، ويطرح نقده الفلسفي، ثم ينتقل إلى “اقتصادنا”. “اقتصادنا” تناول الأيديولوجية الاقتصادية التي يتوقف فهمها الدقيق على فهم “فلسفتنا” للشهيد الصدر أولاً.
من يريد أن يفهم نقد الشهيد مطهري للماركسية، يجب عليه أن يرى قبل ذلك المباحث الفلسفية للشهيد مطهري ليدرك مبناه كشارح ومبيّن للحكمة المتعالية الذي كان ناظراً إلى قضايا عصره؛ لذا فإن أحد المبادئ الفلسفية المهمة لهذا البحث هو التوحيد في الربوبية التكوينية والتشريعية. من المفارقات أن نقبل من جهة بالتوحيد في الربوبية التشريعية ونعطي مكانة مرموقة لآيات القرآن الكريم وروايات النبي الكريم وأهل بيت العصمة والطهارة، ونصل إلى الحجية بعد المرور بعملية علوم الحديث… هذا القبول يعني أننا قبلنا بالتوحيد في الربوبية التشريعية؛ وإذا قبلنا بهذا، لا يمكننا أن نتحدث عن الأيديولوجيات الاقتصادية في العالم المبنية على الربوبية ونقبلها. يمكننا الحديث عنها، ولكن لا يمكننا قبول لا نظامها ولا مذهبها؛ لأنني ذكرت أنه بعد فلسفة الاقتصاد، تولد الأيديولوجيات الاقتصادية والمذاهب الاقتصادية. والمذاهب الاقتصادية ليست فقط الاشتراكية والرأسمالية؛ الاشتراكية، ومنها الاشتراكية الماركسية، ومن الماركسية الشيوعية، ومن الشيوعية اللينينية والماوية في الصين، كل منها كان له قراءات خاصة. أو مثلاً، يوجد الآن الاقتصاد النسوي، ولكنه لم يكن موجوداً في زمن الشهيد الصدر ليتناوله، ولكن اليوم هناك أيديولوجية تسمى الاقتصاد النسوي، ومن المثير للاهتمام أن كل هذه المذاهب الاقتصادية، سواء الاشتراكية والماركسية والشيوعية، أو الفاشية أو النازية، كلها أيديولوجيات. يظن البعض أن النازية أو الفاشية في ألمانيا وإيطاليا كانت أحزاباً، بينما الحزب كان وليد تلك الأيديولوجية؛ وكذلك النسوية وغيرها من “الإزمات”. بعض “الإزمات” فلسفية، مثل التجريبية والوضعية، وبعضها أيديولوجية، مثل التي ذكرتها. كل الأيديولوجيات الاجتماعية التي تندرج تحتها الأيديولوجيات الاقتصادية، كلها تقبل بالإنسانوية والذاتانية والعلمانية. أو تقبل بالربوبية التي هي معرفة الله العقلية ولا تقبل بالتوحيد في الربوبية التكوينية وخاصة التشريعية. أو أنها مادية لا تقبل بوجود الله أصلاً، وتعتقد أن الوجود يساوي المادة. كل هذه المبادئ سارية في كل هذه الأيديولوجيات.
فروقات مذهب الاقتصاد الإسلامي عن سائر المذاهب الاقتصادية
إذاً، إذا أردنا… بالطبع النظام يختلف عن المذهب؛ لأن النظام هو مجموعة من المبادئ الفلسفية، والمذهب، والعلم، والحقوق الاقتصادية. عندما يقال مذهب أو أيديولوجية الرأسمالية، فالرأسمالية هي “إزم” (ism)، وعندما تقول أيديولوجية ماركسية أو اشتراكية، فهذه “إزم”، هي مذهب. المذهب حزمة ولها أصول. أقول بسرعة؛ في كل مذهب اقتصادي يُطرح بحث الأهداف الاقتصادية، وبحث الحرية الاقتصادية، وبحث العدالة، وبحث الملكية، وبحث توزيع الثروة والإنتاج والتوزيع والاستهلاك. هذه الأمور مطروحة في كل مذهب؛ لذا عندما نقول أيديولوجية أو مذهب الرأسمالية، لا يجب أن ننظر فقط إلى الثروة ورأس المال. رأس المال يختلف عن الرأسمالية. الرأسمالية “إزم” تقبل الملكية الخاصة، ولكن نظرتها إلى الملكية العامة أو الحكومية محدودة؛ لأنها تقبل بالدولة الدنيا. عندما نقول نظام رأسمالي أو مذهب اقتصادي أو أيديولوجية رأسمالية، فذلك فقط لأنهم يعتقدون بالحرية الاقتصادية والملكية الخاصة. هذا لا يمكن أن يكون وجه شبه مع الاقتصاد الإسلامي.
سؤالي هو: هل يقبل الإسلام بالملكية العامة أم لا؟ هل يقبل بالملكية الخاصة أم لا؟ الملكية الحكومية أو ملكية الإمام؟ إنه يقبل بهذه الثلاثة. وقد أوضح الشهيد الصدر ذلك جيداً، وقال به جميع الفقهاء أيضاً. الشهيد الصدر، بناءً على منهجه في التفسير الموضوعي، يأخذ الأسئلة من المباحث الجديدة، ويعرضها على النصوص، ويستخلص إجابات دون تلفيق، ويستنطق النص الديني كما يقال، ويقدم تصنيفات حديثة.
الحرية الاقتصادية التي يطرحها الشهيد الصدر أو الشهيد مطهري لها حدود. أعرض ما تعلمت على حضراتكم الكرام؛ إن “مكاسب” المرحوم الشيخ الأنصاري تعد بحق أساساً دقيقاً لفقه الاقتصاد، ومن فقه الاقتصاد يمكن استخراج مذهب الاقتصاد، لأنه يحتوي على “المكاسب المحرمة” التي ذكرت أقسام الكسب الحرام، وعلى “البيع” الذي ذكر حقيقة البيع وأقسامه وأنواعه وأحكامه، وعلى “الخيارات” التي بحثت ماهيتها وأنواعها وأقسامها، وقواعد مختلفة. للمرحوم السيد [اليزدي] هنا حاشية، بعد أن يذكر الشيخ أحاديث، منها حديث في “تحف العقول”، وفي “فقه الرضا”، حديث الإمام الصادق (ع) حيث سُئل عن جميع طرق وأسباب كسب المعيشة وأمرار معاش العباد، كم طريقاً هي؟ فيجيب الإمام بأنها أربعة طرق لا خامس لها؛ واحد، عن طريق الولاية والسلطنة، اثنان، عن طريق التجارة والبيع والشراء، ثلاثة، عن طريق الإجارة والاستئجار، أربعة، عن طريق الصناعات. حقاً هذه إحدى المعجزات. وحسب تحقيقي، لا مشكلة في سند الرواية. ودلالتها أيضاً لا مشكلة فيها. أما بحث الإشكال على “تحف العقول” فبحث آخر.
مدير الحوار: عفواً، لو تكرمتم بالتلخيص… وتفضلوا أيضاً بطرح السؤال الذي كنتم تودون طرحه، لأنكم تجنبتم السؤال.
مبادئ الاقتصاد الإسلامي؛ مدلول التزامي للمصادر الدينية
خسرو پناه: ذكرت في كلامي هذه النقطة، وهي أن السؤال المفتاحي في الواقع هو: عندما تقولون “نظام رأسمالي”، هل ترون هذا النظام أو المذهب الرأسمالي منفصلاً عن خلفيته الفلسفية؟ إذا كان الأمر كذلك، فإنكم لم تعرفوا الموضوع بشكل صحيح، ومن المثير للاهتمام أن… كنت أود الإشارة إلى حاشية المرحوم السيد. يقول: «الفائدة الثانية». أريد أن أستفيد من هذه النقطة من كلام السيد: «لا يخفى اشتمال هذا الحديث الشريف على جملة من القواعد الكلّيّة»؛ إنه يستخرج قاعدة. أصلاً الفرق بين الأصولي والأخباري هو أنهم يستخرجون من حديث شريف واحد قواعد متعددة، قرابة عشر قواعد: «منها حرمة الدّخول في أعمال السّلطان الجائر وحرمة التكسّب بهذه الجهة ومنها حرمة الإعانة على الإثم إلخ…».
حاصل كلامي في جملتين؛ الأولى، إذا أردنا أن نقبل بالمذهب أو النظام الرأسمالي، فلا يجب أن نلتفت فقط إلى رأس المال؛ إنها رأسمالية (كابيتاليزم)، أي أصالة رأس المال. هذه الأصالة لها معنى وخلفية فلسفية. أي إذا قلتم إننا قبلنا بالرأسمالية، فهذا يعني أننا قبلنا بالربوبية (Deism)؛ كما أنكم إذا قلتم إنكم قبلتم بالماركسية، فهذا يعني أنكم قبلتم بالمادية. وهذه الأمور لا يمكن أن تكون “نؤمن ببعض ونكفر ببعض”. النقطة الثانية، صحيح أن الكثير من هذه المباحث قد لا تكون في المدلول المطابقي للآيات أو الروايات، ولكن وفقاً للمنهج الأصولي الذي تعلمناه من كبار العلماء مثل آية الله البروجردي والحائري اليزدي والآخوند الخراساني والخوئي والإمام الخميني، هناك دلالات التزامية بيّنة تقدم لنا قواعد، ويمكننا من هذه القواعد أن نبيّن مذهب الاقتصاد الإسلامي الذي لا يتطابق مع مذهب الاقتصاد الرأسمالي ولا مع مذهب الاقتصاد الاشتراكي؛ لا الشيوعية ولا النسوية ولا أي أيديولوجية أخرى.
مدير الحوار: شكراً. حسب فهمي، فإن السيد البروجردي، كما تفضل، نظرته مبنية على فقه الاقتصاد وقد تكلم من منظور فقهي، والسيد خسرو پناه طرح مساراً لبحث تاريخ الاقتصاد من منظور الأفكار والمذاهب الفكرية المختلفة. يبدو أن نقطة البحث والخلاف هنا هي مسألة الرجوع إلى العقلاء، أي أي عقلاء هم في الواقع. تفضل سماحة السيد خسرو پناه بأن الأمر يعتمد على الأفكار المختلفة، وإذا رأيتم صلاحاً، فربما لو واصلنا البحث من هذا المنظور أو من أي بحث آخر تفضلون به، فنحن في خدمتكم.
الاشتراك الجزئي مع مذهب ما لا يعني قبول جميع مبادئه
العلوي البروجردي: النقطة التي أود طرحها على سماحة السيد خسرو پناه هي أننا إذا اشتركنا في جانب ما مع مذهب ما، فهذا لا يعني الالتزام بكل ما يقولونه. في الرأسمالية نفسها، توجد مذاهب فكرية مختلفة من الناحية الفكرية، وليست كلها إلهية، بل هناك ما هو ضد الإله، ولها درجات. أما عن أن كل تفاعلاتنا الاقتصادية وتفاعلات البشر مبنية على فلسفة وراءها وعلى نظام، فقد يكون الأمر كذلك في كثير من المذاهب؛ أي أنهم يرسمون رؤية شاملة وينظرون بهذه الطريقة، ولكن عامة الناس الذين يتحركون عبر التاريخ لا يفكرون بهذه الطريقة. إحدى الحركات التي ظهرت في الإسلام هي حركة الإخوان المسلمين؛ حركة حسن البنا. في ذلك الوقت كنا نحن أيضاً من أنصار الإخوان المسلمين ومتأثرين بهم. هؤلاء أيضاً تظهر في كلامهم ميول اشتراكية. حتى قيل لنا إنه قبل وقوع ثورة أكتوبر… ثورة أكتوبر ليست بداية الاشتراكية؛ الاشتراكية كانت موجودة قبل ذلك. عندما كُتب بيان الحزب الشيوعي، لم تكن ثورة أكتوبر قد وقعت بعد؛ بين إنجلز وماركس.
ما يهمنا هنا هو أننا أمام مجموعة من الحركات الخارجية والأفعال الخارجية في مجال التعاملات والمبادلات التي كانت موجودة عبر التاريخ. لدينا هنا نقطة اشتراك؛ الآن مع الرأسمالية. نحن لا ننظر إلى المذهب. الإسلام يؤمن بالملكية. نحن مشتركون معهم في هذا، والإسلام لا ينفي الملكية. والعقلاء كانوا موجودين منذ البداية. القول بوجود شيوعية أولية أو ما شابه، هذا ليس ثابتاً. الطبيعة الأولية للبشر هي أنه حتى بالنسبة لأداة صيده كان يشعر بالملكية، وإذا أخذها شخص آخر، كان يخاصمه أو يتشاجرون. لذلك، فإن الفكر الاشتراكي نفسه تشكل نتيجة لهجمة الرأسمالية ومشاكل العمال، وخاصة في العالم الصناعي، وليس في العالم الفلاحي. لاحقاً أراد ماو أن يستنتج هذا من الحركة الفلاحية، ولكنه تشكل كلياً من الإنتاج الصناعي. كان حق العامل يُهضم وظهرت هذه المسائل. [كان يقال] بأي مناسبة تكون الإمكانيات في يد شخص وهذا الطرف يعمل فقط؛ لذا ظهرت هذه المسائل وتلقائياً ظهر مذهب، وفي الاشتراكية نفسها أيضاً ليس لدينا مذهب فكري واحد فقط. انظروا إلى الاشتراكية الأوروبية، فهم مسيحيون. هؤلاء مسيحيون ومن الناحية الفكرية إلهيون، وفي نفس الوقت يقبلون بالملكية بشكل ما، ولكن لديهم أفكار اشتراكية أيضاً. في الاتحاد السوفيتي نفسه أيضاً، بعد فترة، أصبحوا يؤمنون بالملكية إلى حد ما، بحيث يمكن لكل شخص أن يمتلك مثلاً قطعة أرض بحدود بضع مئات من الأمتار ويوفر احتياجات حياته. هم أيضاً ظهرت لديهم مثل هذه الميول.
الفلسفة الإسلامية ليس لها جذور إسلامية!
لذا، القول بأن كل ما يُطرح كـ”اقتصاد” في العالم، والذي نراه في فقهنا كموضوع، وراءه فلسفة، ثم نأتي وننسب هذه الفلسفة إلى الإسلام، هذا أول الكلام. الآن لا شأن لنا بعلم الاقتصاد؛ الفلسفة نفسها ليست لنا وقد أتت من اليونان، وهناك قصص كثيرة حول سبب إدخالها إلى العالم الإسلامي. أدخلوها ليغلقوا باب أهل البيت. ولكننا نرى أن لدينا فلاسفة كباراً بعد دخولهم في الفلسفة عملوا بجد حتى أصبح الفرع يزيد على الأصل، على حد تعبيري. لكن ليس لها جذور إسلامية، ولذا حتى مع أننا ننظر إليها بنظرة إلهية وتكاملت الفلسفة لدينا تكاملاً إلهياً، إلا أنها لم تصبح فلسفة إسلامية. نعم، هي فلسفة علمائنا الكبار، ولكنها ليست فلسفة إسلامية بحيث ننسبها إلى الإسلام. الإسلام الذي نتحدث عنه يحتاج إلى إسناد. رحم الله المرحوم السيد الخوئي، لديه رأي في بحث “التسامح في أدلة السنن” كنت أظن في البداية أن المرحوم السيد الخوئي نفسه هو أول من قاله. هو في روايات “من بلغ”: «من بلغه شيء من الثواب على شيء من خير فعمله كان له أجر ذلك»… لدينا عشر أو اثنتا عشرة رواية بهذا الشكل. يعتقد الشيخ الأنصاري في رسالة “التسامح في أدلة السنن” أن هذه الروايات تصحح ضعف السند. الشيخ الأنصاري يلتزم بذلك حتى في الروايات التاريخية، ولذا [يعتقد] أننا نستطيع أن نسندها إلى الشرع؛ [هذه الرواية] تثبت استحباباً، تثبت كراهة. كان للمرحوم السيد الخوئي مبنى وهو أن هذه الروايات لا تثبت إسناداً إلى الشرع. الاستحباب إسناد إلى الشرع، والكراهة إسناد إلى الشرع، وهذه الرواية لا تفعل ذلك. هذه الروايات تفضّل. شخص سمع أن عملاً ما يُثاب عليه، فقام به وأُعطي الثواب. ليس أكثر من هذا. الإسناد لا معنى له. لاحقاً دققت ورأيت أن هذا المبنى طرحه أولاً المرحوم صاحب الحدائق. وهو مبنى قوي.
كثير من القواعد الفقهية لها جذور عقلائية
عندما نريد أن نسند شيئاً إلى الإسلام، يجب أن نكون دقيقين. لدينا قواعد فقهية. ولدينا قواعد أخرى، ولكن الكثير من قواعدنا لها جذور عقلائية. الكثير من قواعدنا الفقهية لها جذور عقلائية. هنا أتحدث فقهياً؛ لدينا قاعدة “أصالة الصحة”. هذه القاعدة موجودة في العمل؛ أشتري هذا البيت منك، ثم أشك هل كنت تملك هذا البيت أم اشتريته بشكل صحيح ولم تغتصبه من أحد. هنا تجري “أصالة الصحة” في فعل الغير. “أصالة الصحة” في الفعل تعني أن الإنسان عندما يقوم بعمل أساسي، لا يقوم بعمل مخالف، ولا يهمنا أن يكون المسلم متديناً.
يقول المرحوم الحاج آقا رضا الهمداني إن هذه القاعدة لها جذور عقلائية؛ أي أن العقلاء في تعاملاتهم مع بعضهم البعض عندما ينوون شراء بيت، لا يشكون في أن البائع لص أم مالك. ثم هو يسري هذه القاعدة إلى أفعال الإنسان نفسه. يقول إن قاعدة “الفراغ والتجاوز” هي أيضاً من شؤون قاعدة “أصالة الصحة” هذه، بحيث أنني عندما أصلي [أبني على أنني] أديتها بشكل صحيح. هذا له جذر عقلائي. هي قاعدة فقهية ونحن نستنبطها من الروايات، ولكن لها جذر عقلائي. المرحوم السيد الصدر نفسه عندما يطرح مؤشرات الاقتصاد الإسلامي؛ الاقتصاد الحكومي، الاقتصاد العام، الملكية العامة والشخصية، علينا أن ننظر هل لهذه الأمور سابقة بين العقلاء أم لا. ألم يكن لدى العقلاء ملكية حكومية؟ كل حكومة في أي مكان كان لديها ممتلكات في دائرتها، وما نعرفه في الإسلام باسم “الأنفال”، ليست الأنفال خاصة بالإسلام بحيث يكون الإسلام قد وضعها. الأنفال أو الثروات العامة كانت موجودة بين الناس قبل الإسلام؛ حتى القبائل الأفريقية. هذه القبائل كانت لديها أكواخ وأدوات صيد شخصية، ولكن الغابة التي كانت حولهم ويذهبون إليها للصيد، كانوا يعتبرونها ملكاً للعموم، وقمم الجبال وبطون الأودية التي نعبر عنها في الأنفال، هذه ثروات عامة وكانت موجودة دائماً.
الملكية لها جذور عقلائية
بعد ذلك، مذهب في الرأسمالية، بناءً على ضرورات نشأت، مثل اكتشاف أمريكا، أدى إلى هجرة الناس من أوروبا وألمانيا وأيرلندا. هناك كان يقال لكم هذه الأراضي، بأي مقدار تريدون، اذهبوا وسجلوها فقط. حددوا مساحتها وسجلوها فقط. خذوها لكم؛ لذا ظهرت أراضٍ كبيرة شملت حتى الجبال. بعض الأفكار الرأسمالية رفعت من شأن الملكية كثيراً. هنا ماذا كان موجوداً بين العقلاء؟ بين العقلاء كل الأراضي التي لا مالك لها، الأراضي التي كانت بلا مالك، من كان يحييها كان يملكها. من كان يذهب ويكتشف معدناً كان يملكه بين العقلاء. الإسلام أيضاً أتى بإحياء الموات. لدينا رواية عن إحياء الموات. هو حكم إسلامي وله جذر عقلائي. هذه الملكية لها جذر عقلائي. هنا نرى أن كلاً من الملكية الحكومية والملكية العامة في الأنفال، والملكية الشخصية، لها جذور عقلائية. وكل هذه نراها أيضاً في الإسلام. ليست من مؤشرات الإسلام بحيث نقول هنا إن الإسلام أسس هذا. لا؛ لذا في إحياء الموات نرجع إلى العقلاء.
سيرة العقلاء لا تعني اتفاق جميع العقلاء
أما قولكم إنهم جميع العقلاء، ففي ذلك الزمان أيضاً كانت هناك مجتمعات مختلفة. عندما نقول العقلاء، لماذا نقول العقلاء؟ لأن العقل حجة باطنة. كان أحد السادة يصر في نقاش على أن جميع العلوم أوجدها الأنبياء؛ جاء الأنبياء وجميع علوم البشر أُوجدت على أيديهم. لا عيب في هذا. «فذرة في بقعة الإمكان»، لا ننفيها. ولكن هذا يحتاج إلى إثبات؛ مثلاً، النبي موسى أي علم أوجد؟ ليس لدينا دليل إثباتي، ولكنه ممكن. ولكن قلت لماذا تذهب إلى هذا الحد؟ العقل نفسه حجة باطنة وضعه الله في وجود الإنسان وهذا العقل الإنساني أعطى الإنسان فكرة أن يبني بناءً. نحن في مسألة نظام المعيشة. هذه سيرة عقلائية. هل تظنون أنه بين الشيوعيين، بعد أن سيطر لينين وساد الاقتصاد الشيوعي، كان كل الناس وعقلاء الناس يؤمنون بتلك الطريقة؟ حدثت مجازر حتى أخذوا أراضيهم. كانت هناك صراعات ومشاكل. فرضوا هذا الأمر. السيرة العقلائية التي نتحدث عنها، تعني ما يتوصل إليه العقلاء بناءً على حريتهم في العمل ويفكرون في طرق. قد تكون هذه السيرة والبناءات مختلفة في بعض الأماكن؛ مثل قواعد المرور. إذا ذهبت إلى إنجلترا، فإنهم يسيرون على اليسار بدلاً من اليمين؛ هذه قوانين عقلائية. وضعوا أنظمة ويعيشون على أساسها. ونحن أيضاً إذا ذهبنا إلى هناك، حتى من الناحية الفقهية يجب أن نتبع تلك الطريقة. لا معنى للمخالفة. هم أيضاً مجموعة من العقلاء. هذا الجانب فرنسا، وهي بطريقة أخرى. قد يختلف العقلاء في طريقة البناء. نحن لا نقول عرفاً عقلائياً خاصاً بالضبط؛ بل نقول الجوانب الجامعة بين العقلاء. الإسلام نفسه كان له خصوصيات في بعض الحالات، ولكن هل هذه الخصوصيات التي ذكرتها، هي بالشكل الذي يمكننا أن نسندها؟ أي نفس هذه الروايات التي تفضلتم بذكرها وهي صحيحة بالطبع. أنا أيضاً رأيتها. هذه الروايات التي تعطي قاعدة، ألم تكن لها طريقة بين العقلاء قبلها؟ بين العقلاء أيضاً الأمر كذلك؛ إما بالسلطان، أو بالإنتاج، أو بالإجارات. هذا هو الأمر وكان موجوداً.
المعصومون (ع) لم يسعوا إلى أسلمة العلوم
هاجر رسول الله (ص) إلى المدينة، وفي جمع من الشباب كانوا يسألون ويجيبون، قال: هذه الدروع والسيوف والأدوات التي لديكم من أين تأتون بها؟ قالوا: بنو قريظة وبنو النضير – قبيلتان يهوديتان في المدينة – صانعو أسلحة ماهرون ولديهم ورش كبيرة جداً. سأل النبي: هل عملهم جيد؟ قالوا: ممتاز. قال النبي: إذا حدث خلاف بينكم وبينهم ورفضوا بيع الأسلحة لكم فماذا تفعلون؟ قالوا: إنهم أناس طيبون ولنا معهم معاملات، فلماذا الخلاف؟ قال النبي: ما المانع أن تذهبوا أنتم وأولادكم وشبابكم إلى ورشهم وتتعلموا وتتعلموا أسرار المهنة وتأتوا وتنشئوا ورشاً. باختصار، شجعهم وتابع الأمر وتم هذا العمل. بعد خمس أو ست سنوات وقعت غزوة الأحزاب. في غزوة الأحزاب، اتحد هؤلاء اليهود من المدينة مع مشركي مكة ضد النبي ولم تكن لديهم مشكلة في السلاح. هنا لماذا يقول النبي اذهبوا وتعلموا من اليهود؟ ألم يكن النبي نفسه يستطيع أن يعلمهم؟ هذا التصور بأن الشرع ملزم بأن يأتي للناس بكل علم وجميع العلوم، وتلك الطرق التي لدى العقلاء في الحفاظ على أنظمتهم، كيف يمكننا أن نبحث هذا؟ هل جاء الشرع ليقول الطب؟ ألم يكن النبي وموسى يراجعان الطبيب؟ ألم يحضروا طبيباً لأمير المؤمنين؟ لماذا؟ مثلاً، كان ليقول: لماذا الطبيب؟ أنا بنفسي طبيب. لكنه لم يقل ذلك.
كانت لدينا صناعات في ذلك الوقت أيضاً. نعم، في مقام المشورة لسك العملة جاءوا إلى الإمام الهادي وقالوا إن هؤلاء يروجون للمسيحية على عملاتهم، فقال الإمام: اسكوا عملاتكم بأنفسكم. لذا لدينا إرشاد، ولكن أن يأتي الإسلام ويعلم العلوم واحدة تلو الأخرى، هذا أول الكلام. ما أقوله هو أنه بعيداً عن المذاهب الفكرية والدعامة الفلسفية والأيديولوجية التي ظهرت الآن وراء كل شيء… لأن إحدى المسائل التي لدينا في الفلسفة هي أن الفلسفة لدينا محدودة. رحم الله، كان لدينا نقاش في هذا مع المرحوم مطهري أيضاً. الفلسفة عندما جاءت إلينا، في الحدود التي كنا نبحثها، القوة والفعل والحركة والعلة والمعلول، وأصبحت أوسع قليلاً. هذه هي الحقيقة. وصلنا إلى هذا الحد. هذه الفلسفة اليونانية ذهبت إلى الغرب؛ خاصة إلى الغرب بعد عصر النهضة. لأنه قبل عصر النهضة لم يكن يُعطى للعلم قيمة. أدت النهضة إلى الانفصال عن الكنيسة وزوال هيمنة السادة الكرادلة والباباوات، وظهرت حرية العمل والفكر، ولذا نرى الأفكار الفلسفية تنشأ من هذا المصدر. وجذرها هو الفلسفة اليونانية، وفلسفة الهند، وفلسفة إيران القديمة، «الفهلويون الوجود عندهم» موجود أيضاً.
لكن الفلسفة اليونانية كانت قوية جداً وأقوى من الجميع بحيث ذهبت إلى أوروبا. هذه الفلسفة هناك تشعبت إلى فروع مختلفة؛ لذا ظهرت الفلسفة الاقتصادية، والفلسفة السياسية، وفلسفة الرياضيات أيضاً. العلم الموجود، هناك فلسفة وراءه ظهرت لاحقاً. لا مشكلة في أن نصنف هذه الحركة في اتجاه الاقتصاد وأن تكون هناك أيديولوجية وراءها، ولكن ما نتعامل معه في الموضوع الفقهي هو أنني أرى هنا بيعاً وشراءً. أرى هنا هذا المسار وهذه الطريقة المطروحة اليوم بين عامة العقلاء. في الصيغ الاقتصادية المختلفة، التضخم والنمو حقيقة ولهم برامج. وهذه البرامج ليست وحياً منزلاً، بل هي تجربة.
نحن نتعامل مع هذه الموضوعات. تلك الموضوعات التي رأيناها أنجح بينهم، كبناء لديهم في مجتمعهم وهم أنفسهم يبحثون عن أفضل الطرق. إذا وجدت طريقة أفضل في مكان ما [فإنهم يتبعونها]؛ مثلاً، مدرسة شيكاغو أو مدرسة فريدمان في تشيلي، بعد أن أزاحوا بينوشيه، أخذوا هذا السيد فريدمان ونظموا الاقتصاد، ونجح إلى حد ما. أي أنه خرج من الوضع السابق، ولكن كانت له عواقب أخرى لا يزالون يعانون منها. نحن لا نقول إن كل ما يقوله مذهب الرأسمالية صحيح، لا، نحن [نقول يجب الانتباه إلى] ما هو حاصل تجربة الأفراد، والعلوم أيضاً تنشأ نتيجة للحاجة. يجب أن تكون لدينا نظرة شاملة للعلوم. كيف نشأ علم الفيزياء؟ كيف نشأت الكيمياء؟ ولها تاريخ قديم. الكيمياء هي نفسها الخيمياء. ولدينا روايات الإمام الصادق (ع) ولدينا جابر بن حيان. هذه احتياجات لدينا؛ علم الفيزياء، علم الكيمياء والجغرافيا و… كانت موجودة، ولكنها نُظمت لاحقاً. البشر يخلقون هذه العلوم بما يتناسب مع احتياجاتهم. وليست اختراعاً يكون بالجلوس والاختراع. حاجة الأفراد هي التي تخلق هذا؛ طب العيون فرع… مثلاً في ملاير لدينا – رحمه الله – كان الدكتور راستان جراح قلب وكان والده طبيب عيون. في بروجرد حتى للسيد البروجردي كانوا يحضرونه؛ كان يجري عملية الفتق وعملية العين. هذه التخصصات لم تكن منفصلة. الآن في تخصص العيون وحده لديكم عشرات الفروع. لماذا؟ التجربة طورت البشر وعمل البشر. وفي الاقتصاد لدينا نفس الشيء.
كون مذهب ما ذا دعامة وحيانية لا يعني أنه غير عقلائي
ما أقوله هو أنه بدلاً من القول إن لدينا هذا المذهب الاقتصادي الخاص في الإسلام، [يجب أن نقول] إن المذهب الذي لدينا له دعامة إلهية ووحيانية، ونحن نؤمن بالنص، ولا نعتقد أن الإمام يجب أن يخبرنا بكل الموضوعات. لدينا قوة في الفقه. قوة ديناميكية بحيث أن كل هذه الموضوعات الموجودة، بمعايير، حسب قوله، موجودة لدينا نحن الأصوليين؛ لأن الأخباريين هنا لا يستطيعون التحرك كثيراً. نحن الذين نحن أصوليون، بتلك المعايير التي نستنبطها، يمكننا أن نجد حكماً لهذه الموضوعات ونكون قادرين على الإجابة.
مدير الحوار: شكراً. فهمي من كلامكم هو أن الارتباط بعلم ما أو الاستفادة منه لا يعني تأييد الأيديولوجية التي تقف وراءه، وأنكم لا تنكرون هذه الأيديولوجية، وأعتقد أن النقطة التي طرحتموها حول مسألة الرجوع إلى العقلاء، هي تلك الدعامة الأيديولوجية التي تقصدونها والتي توجد بين العقلاء. تفضلوا أنتم أيضاً.
خسرو پناه: اسمحوا لي ألا أدخل في بحث تبرير إسلامية الفلسفة الإسلامية، فهذا يتطلب بحثاً آخر. في تاريخ الفلسفة كان لدينا الفارابي الذي كان لديه فلسفة سياسية على كل حال، وخواجة نصير وغيره. وتُبع ذلك حتى ملا صدرا في “شواهد الربوبية” في المشهد الخامس، في “مظاهر الإلهية”، يطرح بحث السياسة والشريعة بشكل مفصل وهو نقد دقيق للعلمانية بالمعنى الحديث للكلمة. ولكن همّ ملا صدرا، كما هو في تعليقته على “إلهيات الشفاء”، يقول: «كتابنا الكبير المسمّى بالأسفار وهو أربعة مجلّدات كلها في الإلهيات». هذه المباحث يجب أن تبقى لفرصة أخرى نستفيد فيها من حضرتكم.
الاقتصاد الإسلامي لا يعني النص المحورية
قولنا إن لدينا مذهب اقتصاد إسلامي لا يعني أننا لا نقبل بالعقلاء والعقل أو أننا نصيون. فكما أننا لا نقبل بالاكتفاء العقلي، أي الذاتانية، فإننا لا نقبل أيضاً بالاكتفاء النصي؛ لذا، كما تفضلتم بحق، العقل حجة باطنة؛ لذا فإن كلام بعض الأفراد الذين يقولون إنه يجب استخراج كل شيء من النصوص، وحتى الطب الإسلامي والتجربة والعقل يجب تعطيلها، لا ينسجم مع مشربنا، وبالتأكيد لا ينسجم مع مشرب العلماء الأصيلين وحتى أهل البيت؛ لأنهم أيضاً يوصون بالرجوع إلى تجربة العقلاء. هذه الأمور خارج بحثنا ولا ينبغي، في رأيي، إدخالها الآن. قبل عشرين عاماً، طُبعت مسودة لي بعنوان “توقعات البشر من الدين”. شرحت هناك بالتفصيل. في بداية هذا البحث أيضاً، أوضحت أن علم الاقتصاد ليس موضوع بحثنا الآن، بل البحث في مذهب الاقتصاد. نقطة مهمة أخرى هي أنه قبل الثورة، كان النخبة متأثرين بالأفكار الماركسية الاشتراكية؛ مثلاً، كان المرحوم شريعتي متأثراً بالاشتراكية.
العلوي البروجردي: كان من أتباع المرحوم نَخشَب؛ “الاشتراكيون المؤمنون بالله”. وكثير من الكبار كانوا كذلك.
خسرو پناه: في شبابه كان في البداية من أنصار نَخشَب ثم تأثر كثيراً بمدرسة فرانكفورت. في ذلك الوقت كان ماركوزه بارزاً. إذا دققتم في آثاره، كان ناقداً شديداً للماركسية، ولكنه كان من أنصار الاشتراكية. قصدي هو التأكيد على هذه النقطة، ألا يتكرر الوضع نفسه في زماننا؛ أي قبل الثورة تأثرت مجموعة من النخبة بالماركسية أو الاشتراكية، لأنها كانت رائجة. الآن، والنظام الرأسمالي هو السائد في العالم، يجب أن نكون حذرين من أن نتأثر به وألا نكرر نفس التجربة الخاطئة قبل الثورة بشكل آخر.
الإسلام ليس معارضاً للرأسمالية
بحثي لم يكن أن الإسلام يعارض رأس المال والاستثمار. عندما نقبل بالحرية الاقتصادية في الإسلام، فهذا يعني أننا نقبل بالاستثمار أيضاً. ولكن الرأسمالية (الكابيتاليزم) لا. لا يمكنكم القول إنني أقبل بالرأسمالية ولكن لا أقبل بخلفيتها الفلسفية. هل الأمر بيدي وبيدكم حتى يمكن القول أقبل بهذا ولا أقبل بذاك؟ هذا كمن يقول أنا أقبل بالحركة الجوهرية لملا صدرا، ولكن لا أقبل بأصالة الوجود. أو مثلاً، أنا أقبل برواية الإمام الصادق (ع) ولكن لا أقبل بإمامته. عندما تقول رواية الإمام الصادق (ع)، فهذا يعني أنك قبلت بإمامته؛ لذا الرأسمالية وهذا “الإزم” يختلف عن رأس المال. نعم، الإسلام يسمح بالعمل الاقتصادي وحرية الاقتصاد والملكية الخاصة. قد يكون تأكيد الحاج السيد على أنه يجب علينا أن نعطي قيمة للملكية الخاصة في مجتمعنا، وهذا بحث آخر يتعلق بعلم الاجتماع الاقتصادي الإيراني وهو منفصل؛ ولكن من الناحية الفقهية، ما نفهمه من الفقه، خاصة من الشيخ الأنصاري وغيره من الكبار، هو أن الإسلام يقبل بالملكية الخاصة والملكية العامة والملكية الحكومية. وفي أسباب الملكية الخاصة، أنتم على علم ونحن نعرض ما تعلمناه؛ بعضها أسباب ابتدائية، مثل الحيازة والعمل، وبعضها انتقالية بأسباب إرادية، مثل العقود والإيقاعات، وبعضها انتقالية بأسباب قهرية، مثل الإرث، والارتداد، ونصاب الخمس والزكاة. وفي الملكية الحكومية التي هي الإمامة والحاكمية، الفيء والأنفال، وفي الملكية العامة والمشاعة، الأراضي المفتوحة عنوة.
كون الشيء إسلامياً لا يعني كونه تأسيسياً
سماحتكم تقولون إن هذه الأمور لها جذور عقلائية أيضاً؛ السؤال هو: ألم يصحح الشارع المقدس في بعض المواضع؟ ألم يردع في بعض المواضع؟ على كل حال، كانت هناك معاملات مثل الخمر وغيرها منعها. في موضع هناك عدم ردع، وفي موضع هناك إمضاء. هنا عدة فروع أصولية؛ لأن بحث سيرة العقلاء بحث أصولي، ولكن للأسف لم يبحثه أصوليونا كثيراً. بحثوه بشكل متفرق. سيرة العقلاء بما هم عقلاء، لها فروع متعددة كثيرة. فرع واحد هو أن السيرة العقلائية التي كانت في عصر المعصوم وأيدها المعصوم صراحة، هذه معلومة ولها نسبة إسلامية ولا إشكال فيها، أي لا مانع من أن نعتبر بحث الحيازة إسلامياً، حتى لو كان له جذر عقلائي، وحتى لو كان بإمضاء الشارع. أي أن إسلامية حكم ما ليست بكونه تأسيسياً، بل بكونه إمضائياً أيضاً؛ إلا إذا عرّف شخص الإسلامية بالتأسيسية [وقال] إن ما هو غير تأسيسي وإمضائي لا أعتبره إسلامياً أصلاً؛ لا أقول ضد إسلامي، ولكنه ليس إسلامياً أيضاً. أنا لا أقبل بهذا. أعتقد أن ما هو بناء عقلاء، وأيده الشارع إما صراحة برواية أو بسؤال وجواب، إما مطلقاً أو مع التصحيح والإصلاح؛ لأن العقلاء أحياناً عبر الزمن يقعون في انحرافات، والإمام يصلح. كل هذه إسلامية.
أحياناً في عصر المعصوم توجد سيرة عقلائية لم يمضها الشارع ولم يردعها أيضاً. هنا يعتقد بعض الأصوليين أن عدم الردع كافٍ، وهذا يكفي لإثبات إسلاميتها. الفرع التالي هو إذا كانت سيرة العقلاء بعد عصر المعصوم – والتي تسمى اصطلاحاً سيرة عقلائية مستحدثة – فهذا بحث جدي جداً. هل هذه السيرة ونحن في عصر غيبة المعصوم ولا نوفق لحضرته، يمكننا أن نكتشف عدم الردع – إذا اعتبرناه كافياً -؟ عقيدتي هي: في بحث خارج أصول فقه النظام الولائي الذي أدرسه، توصلت إلى هذه النتيجة وهي أنه يجب الرجوع إلى القواعد. إذا استطعنا بناءً على قاعدة أن نؤيد الإمضاء أو عدم الردع، فإن هذه السيرة العقلائية المستحدثة تكون مقبولة، وإلا فلا؛ حتى أحياناً نفهم عدم الردع أو عدم الإمضاء من القواعد.
مثلاً، الآن في عقلاء العالم توجد مصافحة الرجل والمرأة غير المحرم، والعقلاء قبلوا بها. نحن عندما نسافر إلى الخارج ونلتقي بالنخب، لا نصافح ونضع أيدينا على صدورنا احتراماً؛ وبمجرد أن يدركوا أننا مسلمون، يستخدمون فوراً تعبير “أنا آسف”. يعتذرون لأنهم لم يكونوا منتبهين. أي ليس فقط لا ينزعجون، بل هم متفهمون تماماً. ولكن هذه السيرة العقلائية موجودة هناك وهي غير مؤيدة من قبل الشارع وهو يرفضها. الآن قد يقول قائل، لا، لأن العقلاء الآن في المجالس وغيرها يقدمون المشروبات الكحولية… مثلاً، ذهبنا مراراً إلى الفاتيكان أو بعض الدول الأخرى…
العلوي البروجردي: هذه سلوكيات، وليست بناءً.
الفرق بين العقل والعقلاء والعقلانية
خسرو پناه: سيرة العقلاء تختلف عن ارتکازات العقلاء. أعتذر. الارتكازات العقلائية أمر ذهني، والسيرة تكون عندما تكتسب عينية سلوكية. إذا لم تكتسب عينية سلوكية، فهي ليست سيرة عقلاء؛ تصبح ارتکازات عقلاء. قد يكون منشأ سيرة العقلاء هو ارتکازات العقلاء، وقد لا يكون ارتکازات بل عادات، أو أمر حاكم أو قوانين. الآن في فرنسا سمحوا مؤخراً بالزواج من المحارم أو المثلية الجنسية.
ما أقوله هو أنه يجب التفريق بين العقل والعقلاء والعقلانية. هذه المرادفات قد لا تكون دقيقة في لغتنا. الغربيون يقولون للعقل (Reason) وعندما يستخدمون العقلانية يقولون (Rationality). هذه تختلف. الحجة الباطنة هي العقل، وليس العقلانية. نعم، العقلاء بما هم عقلاء، إذا كانت لهم سيرة عقلائية ظهرت في السلوك ومنشؤها العقل بما هو عقل، فهي حجة قطعاً. ولكن اكتشاف هذا الأمر هو أول الكلام. مثلاً، تقولون إن العقلاء في بحث المعاملات… تعلمون أن شمال أوروبا الآن اشتراكي، وليس ماركسياً. أي السويد، الدنمارك، فنلندا، والنرويج، نوع حكمهم الاقتصادي يختلف عن نموذج إنجلترا وأمريكا وكندا. الآن سؤالي هو: إذا أردت هنا كفقيه أن تقول إنها سيرة عقلاء ثم تضيف إليها عدم الردع وتصدر حكماً، [فأي منها ستتخذ أساساً؟]. ما أقصده هو أنه في هذه المجالات الاقتصادية، ليسوا عقلاء بما هم عقلاء؛ بل عقلاء بما هم اشتراكيون لهم سيرة، ولهم ارتکازات عقلائية، ومنشأ الكثير من السير العقلائية هو العادات والأيديولوجيات. في أمريكا وإنجلترا وكندا الأمر مختلف. أي منها نعتبره موضوعاً لحكم الجواز؟ هنا هو ما أقوله، عندما نتحدث عن سيرة العقلاء لا نسارع بالقول سيرة العقلاء بما هم عقلاء. نعم، نحن في كبرى البحث لا نختلف؛ العقلاء بما هم عقلاء الذين منشأ سيرتهم العقل بما هو عقل، لا محل للنقاش فيه. أما العقلاء بما هم عقلاء الذين منشأ سيرتهم العادة أو أي شيء آخر، فهو محل نقاش. حتى ما أقوله هو أنه إذا كان منشأ سيرة العقلاء بما هم عقلاء هو العقل بما هو عقل، فلا حاجة لإمضاء الشارع وهي حجة شرعية. لماذا؟ بناءً على الملازمة العقلية؛ لأن الملازمة العقلية تثبت حجيتها ولا نحتاج إلى إمضاء أو عدم ردع. ولكن إذا لم يكن منشأ سيرة العقلاء بما هم عقلاء هو العقل بما هو عقل، فهنا نحتاج إلى إمضاء أو عدم ردع، وفي زماننا حيث السير العقلائية مستحدثة، يجب أن نرى هل هي عقلاء بما هم اشتراكيون، أم بما هم رأسماليون، ويجب البحث في ذلك. ولا إشكال في ذلك. قد نؤيد بعد بحث تطابق القواعد الفقهية، في موضع ما كلام الاشتراكيين، وفي موضع آخر كلام الرأسماليين في ذلك الجزء، وهذا لا يعني، كما تفضلتم، أننا قبلنا بالرأسمالية بمبادئها الفلسفية. لأننا هنا أيدنا جوازها بمعيار فقهي، ولكن عندما أيدنا جوازها بمعيار فقهي، قبلنا بإسلاميتها، حتى لو كان لها منشأ عقلائي. مثل كثير من السير التي كانت في عصر النبي والمعصوم وأمضاها الشارع، والإمضاء أو عدم الردع يبيّن إسلاميتها.
أبعاد المذهب الاقتصادي الإسلامي
بهذا المعنى نقول مذهب الاقتصاد الإسلامي، وحقاً [من الجيد] لو كانت هناك فرصة ودخلنا في البحث بشكل أكثر تفصيلاً؛ أي في بحث الحرية الاقتصادية، والعدالة الاقتصادية، والملكية الاقتصادية، والدولة الاقتصادية، والإنتاج والتوزيع والاستهلاك الاقتصادي. فريدمان نفسه الذي ذكرتموه، لديه نظرية دالة الاستهلاك. أحياناً تذهب نظرية دالة الاستهلاك إلى علم الاقتصاد، وفي علم الاقتصاد، تكون مبنية على اكتشاف علاقة تجريبية مثل العرض والطلب، وهذا ليس محل بحثنا. ولكن أحياناً يُستخرج أمر ونهي من دالة الاستهلاك وتنتج عنه نتيجة؛ هناك يجب أن نقيسه بمعيار الشرع، وهو ما تؤيدونه أنتم أيضاً بالتأكيد.
بناءً على ذلك، بمبنى السيرة العقلائية التي يؤيدها أصول الفقه، مع التوضيحات التي عرضتها على حضرتكم، بهذه المباني، تتأكد الإسلامية أيضاً، ويمكننا في فرصة أخرى أن نبحث بشكل منفصل في الحرية الاقتصادية، والدولة الاقتصادية، والإنتاج والتوزيع والاستهلاك الاقتصادي، والعدالة الاقتصادية، والملكية الاقتصادية، كل على حدة، وهذا يتطلب بحثاً مستقلاً ليتبين أن الملكية الاقتصادية في الإسلام تختلف عن الملكية الاقتصادية في الاشتراكية والرأسمالية وغيرها من الأيديولوجيات. [وكذلك] الحرية والدولة وإلى آخره، كلها كذلك.
كلمتي الأخيرة؛ نظراً لإرادتي الكبيرة للمرحوم آية الله البروجردي، وقد استفدت حقاً من منهجه الفقهي، وفي رأيي أن أحد أفضل مناهج الاجتهاد لفقه الاجتماع هو منهجه، وأنا بجانب صور أساتذتي في مكتبتي، توجد صورته أيضاً وأنا أتذكره دائماً وأستفيد من آثاره. في هذا الكتاب نفسه “البدر الزاهر” الذي هو من أفضل تقريرات بحوث صلاته، لديه عبارة: «الرابع: قد تلخّص مما ذكرناه: ١. أنّ لنا حوائج اجتماعية تكون من وظائف سائس الاجتماع وقائده. ٢. وأنّ الديانة المقدسة الإسلامية أيضاً لم تهمل هذه الأمور بل اهتمت بها أشدّ الاهتمام..». شاهدي هو: «… وشرّعت (يعني الديانة المقدسة الإسلامية) بلحاظها أحكامها كثيرة وفوّضت إجراءها إلى سائس المسلمين»؛ أي أنها شرّعت، والتشريع إما من باب التأسيس أو من باب الإمضاء؛ لا ينبغي أن يُفهم التشريع على أنه تأسيسي فقط. بناءً على ذلك، فإن وصف المذهب الاقتصادي بالإسلامية له وجه أصولي وفقهي تماماً.
مدير الحوار: شكراً. أعتقد أن البحث لا يزال يدور حول العقلاء بما هم عقلاء… نعم، تفضلوا.
سيرة العقلاء، تعني البناء الذي له جذر عقلائي
العلوي البروجردي: نحن لا نعني مسألة الرأسمالية والكابيتاليزم أبداً. ما نتحدث عنه هو أنه قد تكون هناك مشتركات في جوانب معينة بيننا وبين بعض المذاهب. هذا ليس دليلاً على التعبد بتلك المذاهب؛ لكن ما أقوله ليس هذا. بالنسبة للسيرة التي قلتم إنها ارتکاز العقلاء، هذه قصة مستقلة بحد ذاتها. نحن نعتبر الارتكازات العقلائية حجة، ولكن السيرة نقول إنها بناء عملي. البناء العملي يعني العمل الذي يقومون به ويقومون به على أساس عقلهم. الآن الفرق بين العقل والعقلانية؛ لأن العقلانية من وجهة نظرنا تعني استخدام ذلك العقل. أما التصور الآخر لهذه العقلانية فقصة أخرى. العقلانية التي نطرحها في الأصول تعني أنه باستخدام العقل، يبنون بناءات، وهذه البناءات هي لنظام معيشتهم، أي هنا العادات والتقاليد للشعوب المختلفة ليست سيرة عقلائية. الطرق الأساسية، أي البناء العقلائي هو أن الإنسان يجب أن يتعامل مع الآخرين، وأن يرتبط بالآخرين، والحياة الجماعية غير ممكنة بدون تعامل؛ الآن هذا التعامل والحرارة يكون بالمصافحة، أو في فرنسا بالتقبيل، وفي الهند تتحرك الأيدي حركة خاصة، هذه آداب وتقاليد وليست سيرة. العقلاء لديهم هذه السيرة وهي أنه في التعاملات يجب إعطاء قيمة للأفراد. نحن كائنات اجتماعية ويجب أن نتعامل مع الأفراد. الكثير من العادات والتقاليد لا علاقة لها بالسيرة، لأنها ليست في نظام المعيشة. نظام المعيشة يعني المبادئ التطبيقية التي تضمن بقاء المجتمع. هذه هي السيرة والبناء، وإلا فالعادات مختلفة، مثلاً في العادات الغذائية، وعادات اللباس، وأحياناً الطرق والعادات السيئة، مثل قوم لوط، هذه لم تعد سيرة، بل عادة سيئة. المثلية الجنسية التي نساويها باللواط، بالطبع قصة أخرى. عموماً مسألة المثلية الجنسية هذه، هل لها جذر عقلائي حقاً، هذا أول الكلام؛ أي في بناء المجتمع، هل للذين يأتون لوضع السيرة العملية في المجتمع مكان لزواج رجلين؟ هم أنفسهم وحتى الكنيسة التي قبلت بذلك، كان لديهم مصيبة ولا يزالون. وفي المجتمعات أيضاً توجد مشكلة، وحتى في أمريكا لم تُقبل بهذا الشكل.
لذا، السيرة التي نعبر عنها هي ذلك البناء العقلائي في مقام العمل الذي يجب أن يكون له جذر عقلي وهو الحجة الباطنة، ولبقاء النظام العقلائي الذي هو نظام مجتمعهم. هذه هي السيرة في نظرنا. هذه هي السيرة العقلائية. الآن أحياناً قد نواجه سيراً مختلفة؛ مثلاً شمال أوروبا الذي ذكرتموه، نحن هنا لا إشكال لدينا في أن نستخدم عدم الردع لكلا الطريقتين الاقتصاديتين في سيرتين مختلفتين، وفقاً لطريقتنا، من قواعدنا.
خسرو پناه: أي كلتاهما؟ هذا اجتماع ضدين!
العلوي البروجردي: بالطبع ليس في الضدين، بل حيث يمكن الجمع. لأن هذه طرق. عندما تنفي إحداهما الأخرى، بالطبع لا يمكن. ولكن لنفترض أنها طريقة تعالج هذا التضخم بصيغة ما…
خسرو پناه: حاج آقا، هذا علم اقتصاد…
تحدي معرفة الموضوع
العلوي البروجردي: نعم، نحن نعتبر علم الاقتصاد عقلائياً أيضاً، لأن العقلاء صنعوه. هنا طريقة أو طريقتان، ولكن المسألة هي أننا نرجع إلى عقولنا أيضاً. الفقيه في باب معرفة الموضوع… لأن إحدى المصائب التي لدينا في الفقه ونحن الآن مبتلون بها، هي معرفة الموضوع، حيث لدينا مشكلة أساسية في معرفة الموضوع؛ في الأمور السياسية، وفي الأمور الاجتماعية. نفس الجملة التي نقلتموها عن السيد البروجردي، نعم، الشرع يشرع، ولكنه يشرع حكماً، وليس تشريع موضوع. نحن في ورطة في الموضوع، مثلاً في الموضوعات الطبية. مثلاً، أنا شخصياً كنت في حيرة في بحث اليائسة. في كلمات جميع علمائنا ذُكر بين الخمسين والستين، ولدينا رواية أيضاً. هل هذا البيان هنا معيار أم حقيقة كانت موجودة بين هؤلاء النساء في ذلك العرق؟ علم الطب له قصة أخرى ويقول إن سن اليأس هو عندما لا تفرز خلية المبيض هذه، وإذا لم تفرز، يحدث سن اليأس، وإذا استمر سبعة أو ثمانية أشهر، فقد انتهى. قد يحدث هذا في سن الأربعين أو الخامسة والأربعين، والأعراق مختلفة، والتغذية مختلفة، والطقس مختلف. ما نراه بين الخمسين والستين كان شائعاً في جزيرة العرب، وحتى النساء السادات استُثنين هنا؛ قريش مثلاً. قد يختلف الأمر في الأعراق المختلفة.
هنا موضوع اليائسة، ماذا يجب أن نفعل به؟ بتعبد صرف من الروايات، أم نضع فهمنا الخاص بجانبه ونقول إن هذا رأي تخصصي؟ على الرغم من أن رأي الشارع صحيح أيضاً، ولكن الشارع قال ما سأله الناس عنه، وقال عن تلك المنطقة؛ لذا هذا الموضوع مسألة. وفي الاقتصاد نفس الشيء. هنا يتبع العقلاء طرقاً مختلفة. والآن الحال كذلك. هذه الطرق يجب علينا أن نقيّمها في الجانب الذي نريد فيه تشخيص الموضوع. يجب أن تكون لدينا مقارنة بينها؛ لذا مشكلتنا هي أن فقيهنا اليوم يجب أن يعرف تلك القواعد الاقتصادية. نحن الآن نصدر حكماً حول البنك والفائدة و… [دون أن] نعرف ما هي الفائدة، أو نعرف أن الفائدة تختلف عن الربا. أنا كفقيه إذا أردت أن آتي بحكم الشرع، يجب أن يُنقح الموضوع. نحن في هذا الجانب، في كثير من الموارد، في ورطة.
لا أرى إشكالاً في أن كل ما مر من الشرع، إمضائي أو تأسيسي، ولكن بحثنا هو أن ما أتى به الشرع نفسه… لأن العلم أو المذهب يعني شيئاً أتى به لم يأت به الآخرون. هذا هو ظاهر الأمر، كما يُقال.
خسرو پناه: لا، هذا ليس ظاهر الأمر، وليس كذلك في أي مكان في العالم. “مكتب” (مکتب) هي ترجمة لـ (School).
العلوي البروجردي: حسناً، اسمح لي! “مكتب” هي (School)، وهنا طريقة خاصة. على كل حال، مذهب الاشتراكية هذا ومذهب الرأسمالية طريقتان. هنا الاشتراكية نفسها أتى بها أفراد لم يقل الرأسماليون هذه الكلمات من قبل. لم يقولوها.
خسرو پناه: ولكن الكثير من المذاهب الأخرى قالت ذلك؛ مثلاً أفلاطون قالها.
الفرق بين الأحكام الإمضائية والتأسيسية
العلوي البروجردي: لدينا نظرية الشيوعية الأولية. حتى بيننا نحن لدينا ذلك. لنأخذ تلك الحالات الخاصة بعين الاعتبار. نعم، ظهرت هذه الفكرة لتوسيع هذه الملكية وجعلها عامة. لا شأن لنا بهذه الأمور. ما يهمنا هو تلك المذاهب الرئيسية التي كانت مطروحة. هذا المذهب أتى بشيء من عنده؛ إذا كان لمسألة هنا جذر عقلائي، يتم إمضاؤها وإسلاميتها تكون من باب الإمضاء، ولا عيب في ذلك، ولذا نحن كفقهاء في الفقه، نطبق حكمنا على هذا الموضوع؛ هذا الموضوع العقلائي الذي لا إشكال فيه أبداً. بهذا المعنى يظهر فقه الاقتصاد، وتنشأ الأحكام الاقتصادية. أما أن يكون لدينا هنا مذهب في مقابل سائر المذاهب ومذهب مستقل، فبالطبع لا مانع من قوله، ونحن أيضاً كنا نتباهى ونقول مذهب الاقتصاد الإسلامي. لاحظوا أن لازمه هو أننا إذا قلنا “مذهب”، فيجب أن نتوقع طرقاً لجميع التفاعلات والمشاكل التي تظهر. يجب أن تكون لدينا طرق. هل يمكن بناءً على هذه الإمضاءات أو عدم الردع، التنبؤ بهذه الطرق في المشاكل أم لا؟ كاقتصاد إسلامي، ولو كمذهب، هل يمكننا تقديمه؟ في تلك الحالة تظهر مسألة الواقعية اليومية وذلك الاقتصاد الذي لدينا اليوم؛ مثل بنوك اليوم.
إذا قلنا عن المذهب إن الإمضاء مقبول أيضاً وهو مقبول من الشرع وبالتالي مقبول، فنحن أيضاً نفهم، ولذا الفرق هو أنه في حكم الشرع في الأحكام التأسيسية، نرجع إلى الشارع نفسه لحدود الحكم، أما في الأحكام الإمضائية لفهم الحكم يجب أن نرجع إلى تلك الحدود الموجودة بين العقلاء، ولذا فإن التحكم فيه ليس بيد الشرع، بل بيد العقلاء. الشرع قبله. هذا القبول من الشرع في أي حد كان؟ يتطلب نفس الاستنباط الذي يجب أن نميزه بالقواعد والأسس؛ لذا إذا طرحناه كمذهب، يجب أن يكون لدينا كلام في جميع المجالات. أي أن ندخل في المذاهب الاقتصادية ونحن أيضاً نقدم طرحاً وفقاً لمبنى إيماننا. كما تفضلتم، له خلفية فلسفية وخلفية عقائدية وأيديولوجية لدينا نحن، نقدم طرحاً على أساس الإيمان. مثلنا الذين لديهم أيديولوجية إلهية، يوجدون بين اقتصاديي العالم ونتحدث ونعرض طرحنا بينهم؛ لا إشكال في ذلك. يصبح مثل الفلسفة. نحن في الفلسفة عرضنا مبادئنا في العالم. هنري كوربان لم يأت إلى هنا عند العلامة الطباطبائي والسيد أبو الحسن الرفيعي من أجل فلسفة اليونان. هؤلاء أنفسهم كان لديهم كلام في الفلسفة. كانوا قد أكملوا هذه الفلسفة لدرجة أن أولئك كانوا يرون أنفسهم محتاجين للمجيء إلى هنا والتلمذة. أو أنكم تقولون إننا عملنا، ولكن ليس بنفس اتساعهم، شكل الفلسفة الأوروبية اليوم ليس مثل فلسفتنا وهو مختلف تماماً. الأساس هناك اختلف. الشكل محفوظ لدينا وقد دخلنا في أعمال؛ مثلاً، دخلنا في هذه الفلسفات الاجتماعية المحدودة؛ فلسفة المدن وتدبير المدن، ولكننا لم ندخل بقوة. أحياناً دخل علماؤنا الكبار وهو جيد، ولكن الفلسفة في أوروبا توسعت بشكل آخر وبما يتناسب مع العلوم المختلفة. أي أنهم رأوا أن كل علم موجود، يجب أن نرى الفلسفة التي وراءه وهكذا تتشكل فلسفة. فلسفة الرياضيات لم تكن شيئاً لدينا، ولكنها تشكلت هناك.
ما نقوله هو أنه عند الإسناد، هل وظيفة الشرع هي أن يقدم لجميع الناس والأتباع كل العلوم التي يحتاجونها؟ هل هذا العمل ضروري؟ هل هذا هو عمل الشرع؟ أي أن رسول الله عندما بُعث في المدينة، هل كانت هناك مشكلة اقتصادية جاء النبي لحلها؟ أو هل اختلف اقتصاد المدينة اختلافاً أساسياً عن الاقتصاد الذي كان في مكة؟ كانت نفس الرحلات التجارية التي كانوا يذهبون إليها، وبعد أن جاؤوا إلى المدينة أيضاً، لدينا أن عبد الرحمن بن عوف الذي أوصى به النبي إلى أحد الأنصار، جاء ليساعده؛ فقال: دلني على طريق السوق وأنا لا أريد أي مساعدة. كان عارياً وقد أخذوا ملابسه في مكة. انخرط في عمل السوق. وفي سورة الجمعة أيضاً جاء «وتركوك قائماً»؛ عندما وصلت القافلة وقت صلاة الجمعة، ترك كل الناس النبي (ص) وذهبوا.
هذا حدث. هل اختلفت هذه الطريقة عن تلك الطريقة؟ الأصول كانت واحدة. نعم، الشرع يرشد إلى مزيد من الإنصاف. الشرع يرشد إلى مراعاة حال الطرف الآخر: أقاله الله. لدينا الكثير من هذه الأحكام الإرشادية. ولكن هل هذه تصنع مذهباً؟ تقولون نظام أو طريقة؛ في النهاية لدينا طريقة، ولكن في تلك الأصول الأساسية، أي التنافس، الإسلام يقبل بمبدأ التنافس. يقبل بمبدأ أنه لا يوجد تسعير. يقبل بتلك الروايات عن النبي والروايات الأخرى. أن من كان لديه رأس مال، ودفع الخمس والزكاة، ولديه مال كثير أيضاً، هل يمكننا أن نأخذ ماله بالحكم الأولي؟ نفس قصة «لا ضرر ولا ضرار». النبي يبذل كل هذا الجهد ليعطيك مئة شجرة في الجنة ويعطيك هنا. النبي يقول هذه الأشياء؛ بناءً على ذلك، لدينا هنا مسألة وهي أن الطرق الموجودة والمتعارف عليها في العالم لديها مشكلة مع هذه المسألة أيضاً وتعمل بشكل أكثر حدة من الإسلام. في أمريكا، على رأس المال والدخل، من مستوى معين فصاعداً، يضعون ضريبة سبعين أو ثمانين بالمئة. ليس لدينا هذه الضريبة. كحكم أولي لا يوجد شيء كهذا في الإسلام. هناك يقولون إن هذا الدخل الذي حصلت عليه من الإنتاج، إذا استثمرته ولم تضعه في البنك لتأكله، فإن الاستثمار معفى من الضرائب، ولذا أوجدوا طريقة أخرى يجعلون بها الرأسمالي عاملاً وخادماً لهم عملياً؛ لكي لا يدفع ضريبة، يجب عليه طوال حياته أن يخلق فرص عمل وينتج، وهو ما يفيد البلد أيضاً. لديهم هذه المعاني، بينما نحن ليس لدينا، ولا يمكننا بالضرورة أن يكون لدينا.
إذا أردنا أن نعدل هذا المال، يجب أن نستخدم العناوين الثانوية. لا عيب في أن نفرض ضرائب على التجمعات، ولكن أصل الشرع هنا ماذا لديه ليقوله؟ لذا نرى أن هذا المعنى موجود في الإسلام، أن من لديه رأس مال كبير، إذا أراد أن يكون له ظل فوق رأسه يوم القيامة، يجب أن يتجه إلى الأوقاف والموقوفات ويقوم بأعمال الخير؛ لذا يؤثر الشرع بناءً على أساس آخر في هذه الحالات. طريقة الشرع تختلف عن طريقتهم. ولكن هذا لم يعد اقتصاداً، بل أخلاق. هذا يعود إلى ذلك الجانب الإرشادي الذي لدى الشرع.
مدير الحوار: في سياق حديث الأستاذ وفي الجزء الأخير من كلامه، طُرح هذا البحث المستقل وهو هل يجب على الإسلام أصلاً أن يمتلك كل هذه الأمور؟ وهذا بحد ذاته يحتاج إلى بحث مستقل. إذا رأيتم صلاحاً، فلنتابع بحث العقلاء، ونظراً لأنه مر ٩٥ دقيقة على بدء الجلسة، لطفاً قدموا التلخيص في فترتين أو ثلاث فترات من خمس دقائق.
خسرو پناه: ليتنا في بداية البحث استخدمنا طريقة وحددنا أولاً تصورنا للمذهب والعلم والمصطلحات الأخرى. بناءً على ما فهمته من كلام الحاج السيد، يبدو أن المذهب في نظره يعني علم ما كان وما يكون وحل المسائل الاقتصادية جميعها يجب أن يكون في المذهب. أي كلما كان هناك مشكلة…
العلوي البروجردي: أن يجيب على الأصول الأساسية المطلوبة.
المذهب الاقتصادي، في مقابل فلسفة الاقتصاد وفقه الاقتصاد وحقوق الاقتصاد
خسرو پناه: للمذهب الاقتصادي تعريف خاص، فهو ليس فلسفة اقتصاد، ولا فقه اقتصاد، ولا حقوق اقتصاد، ولا علم، ولا أخلاق اقتصاد؛ ليس أياً من هذه، لأن لكل منها منهجية خاصة به. إذا تم تحديد بضعة أصول وأهداف، يصبح ذلك مذهباً اقتصادياً. مثلاً، هل يقبل الإسلام بأصالة الحرية الاقتصادية أم لا؟ هل يقبل بالملكية أم لا؟ ما هي نظرة الإسلام إلى الإنتاج والتوزيع والاستهلاك؟ ما هي نظرة الإسلام حول العدالة الاقتصادية وأهداف الاقتصاد؟ نفس هذه التوضيحات التي قدمتموها بأن الإسلام يسمح بهذا ولا يسمح بذاك، هذا هو المذهب في الواقع.
هذه المباحث جديدة، ولا إشكال في ذلك؛ لم يكن علم الكلام موجوداً في زمن ما، ثم تشكل. كان علم الفقه محدوداً في زمن ما، ثم جاء المرحوم المحقق من الطهارة إلى الديات، ووسع الفقه. أصلاً فن التشيع هو أنه يطور هذه العلوم باستمرار بمنهج الاجتهاد ويخلق نماءً؛ لذا المذهب الذي يقول به الشهيد الصدر، مستخرج من الفقه. بالضبط، المذهب الذي في “اقتصادنا” للشهيد الصدر والذي يحمل عنوان الاقتصاد الإسلامي وهو في مقابل الرأسمالية والماركسية والشيوعية، مستخرج من الفقه؛ أي إذا كان شخص يقبل بفقه الاقتصاد، وهو ما لا خلاف فيه هنا، فإنه يقبل بالمذهب قطعاً، لأن المذهب مستخرج من الفقه. ولكن الكثير من النقاش والتحدي يدور حول علم الاقتصاد، وأنا أيضاً أقر بأن أحد نقاط ضعفنا الكبرى هو في علم الاقتصاد، وعلم الاقتصاد، بقدر ما درست في العلوم الإنسانية، ليس علماً واحداً، أي أنه علم له نماذج (paradigms) مختلفة؛ نموذج الوضعية (Positivism)، له علم اجتماع، ونموذج التفسيرية (Interpretive)، له علم اجتماع آخر، ونموذج التركيبي له علم اجتماع آخر؛ لذا يختلف علم اجتماع غيدنز وفيبر وأوغست كونت؛ أي لا يوجد تخصص (Discipline) يسمى علم الاجتماع والاقتصاد. هذه مباحث أخرى. الآن كنا نتحدث عن مذهب الاقتصاد، ومع التوضيحات المقدمة، يبدو أن سماحتكم تقبلون بهذا القدر، وهو أن للإسلام كلاماً حول الحرية الاقتصادية؛ سواء كان إمضائياً، أو عدم ردع، أو تأسيسياً. وحول العدالة الاقتصادية، والاستهلاك، والحلال والحرام [له كلام]، مما يدل على نظرة الإسلام الخاصة.
العلوي البروجردي: [حول] بيع النجس، له أحكام خاصة. نقبل بذلك. إنه يوضح التبيين؛ بمعنى فكر تكون لوازمه أنه يجيب في بعض المواضع الأخرى أيضاً، هل يمكن أن [يكون لدينا ذلك]؟
خسرو پناه: يجيب في ماذا؟ في أسئلة العلم؟ لا نريد الآن الدخول في اقتصاد إيران، ولكن أحد أسباب تخلف إيران في الاقتصاد هو أن علم اقتصاد شيكاغو وفريدمان والكلاسيكي والنيوكلاسيكي لا يجيب على احتياجات إيران. وهذا لا يعني عدم الاستفادة من تجاربهم.
العلوي البروجردي: يجب أن نعمل وفقاً لخصوصياتنا واحتياجاتنا. نعم، صحيح. هناك أشياء غير قابلة للتنفيذ هنا.
خسرو پناه: أصلاً للشعب الإيراني خصائص في الإنتاج والاستهلاك والعمل لا يمكن تطبيقها، وهذا ما لم نعمل عليه. أي أن ضعف جامعاتنا هو أنها تدرّس نفس العلوم الاقتصادية والنماذج الاقتصادية المختلفة في العالم، مثلاً، في جامعة شريف يُدرّس الاقتصاد النيوكلاسيكي، وفي جامعة طهران الكلاسيكي، ثم الطالب والأستاذ الذي تربى على ذلك لا يستطيع حل المشكلة القائمة، ولا يستطيع التنبؤ بالتضخم والبورصة؛ لأن الأبحاث ليست ناظرة إلى الإنسان الإيراني، والعلم ناظر إلى الحقائق (Fact) وليس ناظراً إلى القيم. العلم ناظر إلى الواقع الخارجي، ويجب معرفة الواقع الخارجي الإيراني ليتمكن من تشخيص العلاقات الاقتصادية. هذا لا علاقة له بمذهب الاقتصاد. بل له علاقة بعلم الاقتصاد. أقبل تماماً بما تفضلتم به من أن لدينا نقصاً جدياً هنا.
العلوي البروجردي: لدي كلمة، أطلب من جميع المشاهدين والمستمعين طلباً؛ عندما نتحدث ويتم إعداد مقطع فيديو مدته ثلاث دقائق منه، ليس من الضروري أن يحكموا على تلك الدقائق الثلاث فقط. نحن بالطبع ليس لدينا مشكلة مع الشتائم والحدة، إذا كانت من الحوزة فهم أولادنا ولا إشكال في ذلك، ولكن طلبنا هو أن يُسمع الكلام كاملاً ثم يُحكم عليه. المسألة الأخرى هي أن الإسلام لديه غنى. لدينا بناء رائع وتراث عظيم في رواياتنا، وعلماء كبار حفظوا لنا هذا التراث. حتى لحفظ هذه الروايات، من الناحية الرجالية ولتصحيح هذه الروايات، لدينا اختلافات كثيرة مع المرحوم السيد الخوئي. لدينا تراث روائي عظيم، وفي بحث الاقتصاد أيضاً. في رأينا هذا يغنينا عن أن نتمكن من استخراج الموضوعات المطلوبة والمتطابقة مع المجتمع. النقطة التي ذكرتموها مهمة جداً؛ الصيغة التي أدت إلى النمو في أوروبا، لا تؤدي بالضرورة إلى النمو لدينا هنا. يجب التعرف على خصائص هذا المكان. عقلاؤنا نحن، بهذه الطرق وهذه الخصائص الموجودة في الاستهلاك والإنتاج الإيراني، يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار. يمكننا أن نطبق هذه الأحكام الإمضائية أو التأسيسية. أيدينا مفتوحة، ولكن كما قلت، لدينا مشكلة جدية في تشخيص الموضوع في الفقه. مشكلة أساسية.
خسرو پناه: له منهجه الخاص؛ أي أن منهج استنباط الحكم يختلف عن منهج معرفة الموضوع.
العلوي البروجردي: أحسنت. مثل الإرث، الذي إذا لم نكن نعرف الرياضيات والتقسيم النسبي، لا يمكن الدخول فيه أصلاً. وفي مكان آخر نفس الشيء. نحن في مسائل النساء، [مثل] الحيض والنفاس، لدينا مصيبة عجيبة. أحياناً يشتموننا ويقولون إنكم في الحوزات تهتمون فقط بأحكام الحيض والنفاس، ولكن حتى هذا لم يُحل لنا. الموضوع مهم بالنسبة لنا؛ لذا نحن في الحوزة بحاجة إلى معرفة الموضوع؛ في الأبواب الفقهية، في معرفة الموضوع، ومعرفة الأشياء التي توصلنا إلى الموضوع. هو فن بحد ذاته يجعل الفقه [صعباً] بالنسبة لنا؛ في عصرنا الذي هو عصر الأنظار المتعددة والمختلفة والذي يتقدم؛ مثلاً، علم الاقتصاد هذا، ينمو ويتقدم يومياً. للأسف نحن متخلفون عن الركب؛ لأنه ينمو بسرعة كبيرة ويجرون أبحاثاً. يجب أن نكون محدّثين. هذا ما تحتاجه فقاهتنا.
خسرو پناه: تتمة لكلامكم؛ الموضوع ليس فقط أفعال المكلف التي يتناولها الفقه؛ بل الأعيان أيضاً كما تعلمون. والمورد الثالث تشكل في هذا العالم الحديث وهو الهياكل؛ أي مثلاً هيكل البنك، التأمين، الضمان الاجتماعي، وهي ليست أعياناً ولا أفعالاً؛ الأعمال المتعلقة بها هي أفعال، ولكن الهيكل نفسه موضوع فقهي، لذا بحث معرفة الموضوع الذي تفضلتم به بحق، يتطلب منهجه الخاص؛ سواء الموضوعات التي هي من سنخ الفعل، أو الموضوعات التي هي من سنخ العين، أو الموضوعات التي هي من سنخ الهيكل، كلها الثلاثة يجب أن تُبحث.
العلوي البروجردي: أحياناً في موضوع البنوك هذا نصطدم بفتاوى عجيبة وغريبة.
مدير الحوار: لألخص أيضاً؛ كانت هناك نقطتان مفيدتان لي، وإن شاء الله يكون هذا الحوار فاتحة خير، لأن الموضوع مفصل جداً وله زوايا مختلفة. إن شاء الله يتخذ فضلاء الحوزة والأكاديميون بعد هذا الحوار النقاط المطروحة أساساً للبحث والحوار. بالطبع، مع الأخذ في الاعتبار جميع ما تفضل به الأساتذة، وإن شاء الله تجري الحوارات القادمة على أساس هذا البحث نفسه. النقطة التالية، كانت درساً أخلاقياً لي من كلا السيدين الجليلين اللذين شاركا في هذه الجلسة.
العلوي البروجردي: لا يوجد وقت متأخر للتعلم، والإنسان معرض للخطأ وقد يخطئ. عندما يفهم هذا، يجب أن يتراجع عن كلامه، والنقد لازم للبحث. في الغرب استقر هذا الأمر أكثر. الكتاب إذا لم يُنقد، يعني أنه لم يكن ناجحاً ولم يُلتفت إليه. الفيلم يحتاج إلى نقد. النقد دليل على الاهتمام، والنقد الصحيح مفرح أيضاً، لأنه يرفع من فهمنا نحن.
المصدر: وكالة أنباء رسا.