إشارة: وُلد حجة الإسلام والمسلمين سيد حسين ميرمعزي عام ١٣٤٠ هـ.ش (١٩٦١ م) في طهران، وبعد حصوله على شهادة الثانوية العامة، تم قبوله في تخصص الهندسة الميكانيكية في جامعة البوليتكنيك. لكنه انسحب من الجامعة وبدأ دراسته في الحوزة العلمية في قم منذ عام ١٣٦٢ هـ.ش (١٩٨٣ م)، وبعد إتمام المرحلة التمهيدية، حضر دروس الأساتذة الأعاظم: تبريزي، وحيد خراساني، زنجاني، وموسوي الأردبيلي. استكمل دراسته الجامعية في تخصص الاقتصاد بجامعة مفيد حتى حصل على درجة الماجستير. من أبرز أنشطته العلمية والبحثية: التعاون مع فريق الفقه والنظام الاقتصادي في معهد الثقافة والفكر الإسلامي، إدارة قسم الاقتصاد، رئاسة معهد الأنظمة الإسلامية، وتدريس دروس المستوى العالي في الحوزة. نشر العديد من الكتب والمقالات، منها على سبيل المثال: «الإسلام والتحديات الاقتصادية»، «فلسفة الاقتصاد الإسلامي»، «الاقتصاد الكلي بنظرة إسلامية»، و«الهيكلية الكلية للنظام الاقتصادي الإسلامي». وهو حالياً عضو هيئة التدريس في قسم «الاقتصاد الإسلامي» بمعهد الثقافة والفكر الإسلامي، ومدير معهد الدراسات الاستراتيجية للحوزة والروحانية. أجرينا معه حواراً حول الاقتصاد وتأثيره في أسلوب الحياة الإسلامية، وفيما يلي تفاصيل الحوار:
كيف تقيّمون تأثير الاقتصاد والمسائل الاقتصادية في أسلوب الحياة؟
لقد عرف قائد الثورة الإسلامية أسلوب الحياة بأنه الجزء البرمجي (السوفت وير) للنموذج الإسلامي-الإيراني للتقدم. مصطلح أسلوب الحياة له تاريخ في الأدبيات الغربية، وقد قدمت له تعريفات مختلفة وطُرحت حوله وجهات نظر متنوعة. حسب علمي، فإن أسلوب الحياة قد نوقش في علم النفس، والعلوم الاجتماعية، والقضايا المتعلقة بالثقافة. وبشكل عام، يتعلق أسلوب الحياة بطريقة وسلوكيات الإنسان في مختلف مجالات الحياة، والتي تتشكل بناءً على رؤى وقيم الفرد. لم يعرف قائد الثورة أسلوب الحياة بمصطلح علمي، لكنه أشار إلى قضايا تتعلق بهذا المفهوم، أي سلوكيات وعلاقات الإنسان في مشاهد الحياة المختلفة، كالزواج، والعمل، والاستهلاك، والمجالات المختلفة التي يتفاعل معها الإنسان. نقطة التقاء أسلوب الحياة والاقتصاد تكمن في سلوكيات وعلاقات الإنسان الاقتصادية؛ أي سلوكياته وعلاقاته في مجال الاستهلاك، والإنتاج، والتجارة، والعمل، وما إلى ذلك، والتي تتأثر بأسلوب وطريقة حياته. بل إنه في مناقشات أسلوب الحياة، يُقال إن نمط الاستهلاك هو الوجه الخارجي لأسلوب الحياة، لأن الاستهلاك يشمل السلع والخدمات، بما في ذلك السلع والخدمات الثقافية. ولهذا السبب، يُعتبر نمط الاستهلاك في بعض التعريفات الوجه الخارجي لأسلوب الحياة. تظهر سلوكيات متنوعة في مجال الاستهلاك من الإنسان، وهي تعبيرات خارجية عن أسلوب حياته. وموضوع علم الاقتصاد هو السلوكيات والعلاقات الاقتصادية، أي السلوكيات والعلاقات المتعلقة بالاستهلاك، والإنتاج، وتوزيع السلع والخدمات، والتي تشكل جزءاً كبيراً من أسلوب حياة الإنسان.
كيف يُرسم مسار الوصول إلى النقطة المثلى في أسلوب الحياة ضمن الاقتصاد الإسلامي؟
الاقتصاد الإسلامي له معانٍ متعددة. أحياناً يُقصد به تحليل الظواهر، والسلوكيات، والعلاقات، والمتغيرات الاقتصادية في المجتمع. في هذا المعنى، يتم تفسير أسباب التفاعلات الاقتصادية؛ على سبيل المثال، لماذا يزداد التضخم في بلد ما؟ ثم بناءً على هذا التحديد، يتم التنبؤ بأنه إذا زادت النسب في المستقبل بمقدار معين، فستتغير السلوكيات الاقتصادية بطريقة معينة. هذا التنبؤ يتعلق بالمستقبل. لكن هناك مسائل أخرى يمكن طرحها ضمن علم الاقتصاد الإسلامي، مثل النظام والمكتب الاقتصادي الإسلامي. بشكل عام، إذا أضفنا لاحقة “إسلامي” إلى علم الاقتصاد، فإن علم الاقتصاد الإسلامي يتحمل أربع مهام بناءً على المصادر الإسلامية:
- تقديم نظام السلوكيات والعلاقات المثلى في المجال الاقتصادي. في هذه المهمة، يوضح علم الاقتصاد الإسلامي ما هو الاستهلاك المطلوب، وما هو السلوك المطلوب للمنتج، والقوى العاملة، والمستثمر، وحتى الحكومة؟ بعبارة أخرى، يرسم الحالة المثلى للحياة الاقتصادية للمجتمع.
- وصف وتفسير الحالة الاقتصادية الحالية للمجتمع؛ أي وصف وتفسير نظام السلوكيات والعلاقات القائمة في المجال الاقتصادي.
- تشخيص المشكلات في الحالة الحالية وإظهار الفجوة بين الواقع والنقطة المثلى.
- تقديم استراتيجيات للوصول إلى النقطة المثلى.
يتولى علم الاقتصاد الإسلامي هذه المهام الأربع: التوضيح، والوصف، والتحليل، وتقديم الاستراتيجيات بناءً على المبادئ: الرؤيوية، والقيمية، والفقهية، والأخلاقية الإسلامية. يمكن القول إن الاقتصاد الإسلامي ينظم الجانب الاقتصادي من أسلوب الحياة بحيث تتجه السلوكيات الاقتصادية للناس نحو التأسلم.
إذا وسعنا النقاش إلى ما هو أبعد من الاقتصاد، فإن هذا السؤال يطرح في دائرة أوسع: ما هي مهمة العلوم الإنسانية والاجتماعية الإسلامية بشكل عام؟ يبدو أن هذه العلوم تتولى تحليل وتنظيم سلوكيات وعلاقات المجتمع في مختلف المجالات نحو الحالة المثلى الإسلامية. العلوم الإنسانية الإسلامية هي علوم تهدف إلى تربية الإنسان وإدارة المجتمع البشري نحو الحالة المثلى الإسلامية، وبالتالي فإن لها ارتباطاً وثيقاً بأسلوب الحياة. هذا هو نفس المطلب الذي عبّر عنه قائد الثورة بأن أسلوب الحياة يجب أن يُوجه نحو التأسلم.
ما هي المصادر التي تعتبرونها موثوقة للاقتصاد الإسلامي حتى نتمكن بناءً عليها من الادعاء بأسلوب حياة اقتصادية إسلامية؟
المصادر الإسلامية هي نفس مصادر الاجتهاد، أي القرآن، والسنة، والعقل. بالطبع، عندما نقول العقل، فإن ذلك يشمل العقل التجريبي أيضاً. العقل هو الذي يدرك التجربة؛ أي أن العقل في كل مستوى له مدركات مختلفة، وجزء من مدركاته يتعلق بالتجارب. في معرفة المعرفة، حتى المحسوسات يدركها العقل، فالحس لا يدرك. الحس ينقل بعض التأثيرات الخارجية إلى العقل، والعقل هو الذي يدركها. على أي حال، عندما نقول إن المصادر الإسلامية هي الآيات، والروايات، والعقل، فهذا يعني أن كل واحدة من هذه المصادر تؤثر بقدرها في رسم الحالة المثلى، ووصف وتفسير الحالة الحالية، وتشخيص مشكلاتها، وتقديم استراتيجيات التغيير. جزء من الآيات والروايات وبعض مدركات وأحكام العقل تؤثر في رسم الحالة المثلى، وإن كان نصيب الآيات والروايات في هذا المجال كبيراً جداً، بينما نصيب العقل أقل. لكن في تحليل الحالة الحالية، قد يكون نصيب الآيات والروايات أقل ونصيب العقل أكبر. هذه مناقشة فنية ومعقدة للغاية في فلسفة الاقتصاد الإسلامي، لكن الإجابة المختصرة على سؤالكم هي أن مصادر الاقتصاد الإسلامي هي الآيات، والروايات، والعقل.
مع هذا الوصف، هل يُستخدم في الاقتصاد الإسلامي المنهج النقلي والعقلي فقط، أم أن التجربة تُستخدم أيضاً؟
التجربة في العلوم الإنسانية المتعارفة تُستخدم في وصف وتفسير وتوقع الحالة الحالية. يجب أن نرى ماذا يفعل العلم في دراسة الحالة الحالية؟ في علم الاقتصاد، في مجال الاستهلاك، حيث يتم تحليل الحالة الحالية للاستهلاك وعلاقته بالدخل، يتم افتراض بعض الفروض حول الاستهلاك، وبناءً على هذه الفروض يتم صياغة النظريات. ثم يأتي دور اختبار النظرية بالبيانات الخارجية، فإما أن تُبطل أو تُثبت النظرية. هذه هي طريقة علم الاقتصاد المتعارف. نحن لا ننفي هذه الطريقة بالقول إنها باطلة كلياً. هذه أيضاً طريقة. لكننا نقول إن اكتشاف الحقيقة في العالم الخارجي لا يقتصر على هذه الأداة. بعض الحقائق يمكن إثباتها بالعقل والبرهان العقلي، وبعض هذه الحقائق نفسها قد بيّنها الوحي، ونحن نستخدم مجموع هذه الأدوات لتفسير وتحليل الظواهر الاقتصادية.
إذا لم يكن الشخص متعبداً بالوحي ولا متديناً بالدين، فكيف يمكنه قبول النموذج الناتج عن تلك الطريقة وذلك المصدر؟
ليس لدينا طريقة سوى الاكتشاف من خلال الوحي. المسألة ليست تعبداً بالمعنى الذي تقصده. إذا نظرنا إلى الإنسان مادياً وتجاهلنا الجانب المجرد منه، وقلنا إن المجردات لا دور لها في ذلك، وإذا لم نرَ قيمومية وربوبية الله على هذا العالم، فإننا بالتأكيد سنرى الظواهر مادية وسنحلل العلاقة السببية بين الظواهر بشكل مادي. لكن إذا قلنا إن الإنسان له بُعد مجرد وبُعد مادي، وأن هذين البعدين متشابكان، وأن العالم له نظام سببي ومعلولي مجرد ومادي، وأن الله يدبر العالم المادي من خلال المجردات، فإن الظواهر الاقتصادية ستكتسب أبعاداً مجردة. هذه الأبعاد المجردة لا يمكن حتى للعقل إدراكها. على سبيل المثال، إحدى القضايا الشهيرة جداً في الاقتصاد، والتي تُعد من أهدافه، هي القضاء على الفقر. هذا الفقر، سواء في حياة الفرد أو في الحياة الاجتماعية، هو ظاهرة اقتصادية. ما هي أسبابه؟ إذا كنا ماديين، سنقول إن له أسباباً مادية، وسنحلل العلاقة السببية والمعلولية بين الفقر والظواهر الأخرى بناءً على المنهج التجريبي. لكن عندما نرجع إلى الوحي، نجد أن الله تعالى يقول: «وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ…» (الطلاق: ٢-٣). بمعنى أنه من وجهة نظر القرآن، أحد أسباب انفراج الرزق للإنسان هو التقوى. يقول الله إنه إذا لم يرتكب الإنسان المعاصي، فإننا نفتح له المخارج ونوفر له رزقه. هل يمكن أن يكون عدم التقوى أحد أسباب الفقر أم لا؟ هل يمكنك إثبات ذلك بالتجربة؟ ورد في الروايات أن صلاة الليل تزيل الفقر، والصدقة تزيد الرزق، وكذلك حسن الخلق وصلة الرحم. لو لم يكن هناك وحي، ولو لم يكن هناك أناس متصلون بالوحي، هل كان بإمكان الإنسان أن يفهم هذه العلاقات؟ في البعد الاجتماعي أيضاً يقول: «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» (الأعراف: ٩٦). إذا آمن أهل القرى واتقوا، لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض. قال بعضهم إن بركات السماء تعني الروحانيات، وبركات الأرض تعني الماديات. لو لم يكن هناك وحي، لما تمكنت من اكتشاف ذلك. أقول إن أحد أسباب الفقر في المجتمع قد يكون نقص الإيمان وانتشار المعاصي، وكل استراتيجية تنمية تؤدي إلى تقليل الإيمان وزيادة المعاصي ليست إسلامية. يمكن فهم هذا من الوحي. لو لم يكن هناك وحي، لما أمكن الاستدلال عقلياً. الآن يمكننا تحليل الحالة الحالية للمجتمع، فقد يكون أحد أسباب الفقر في المجتمع هو نقص الإيمان وزيادة المعاصي. سواء كنت مؤمناً أو غير مؤمن، مسيحياً أو مسلماً، يجب أن تدرك الحقائق بشكل صحيح. إذا أدركت حقيقة مادية ومجردة بطريقة مادية، فقد أخطأت في الإدراك، ولا يمكنني أن أقول إنه بما أنك أخطأت، يجب أن أخطئ مثلك. الاقتصاد الإسلامي ليس للمسلمين فقط. في مناقشات علم الاقتصاد، كتبت مقالات متنوعة، وإحدى القضايا هي: هل علم الاقتصاد الإسلامي هو علم اقتصاد عالمي، أم علم خاص بالمجتمع الإسلامي؟
صحيح، لكن كلامكم يتعلق بالوصف وليس بالسببية. إذا قال أحدهم: لماذا يؤدي هذا الأسلوب الخاص من الحياة إلى الفقر؟ إذا أجبتم: «لأن القرآن يقول»، ففي هذه الحالة يمكن للجمهور المتعبد بالقرآن أن يقبل كلامكم، لكن إذا أردتم إثبات ذلك بالمنهجية التجريبية، فستكونون قد عملتم مثل الآخرين وتحتاجون إلى اختبار الفرضية.
علم الاقتصاد الإسلامي يعتمد أساساً على رؤى وقيم صحيحة. بل إنه ليس مقتصراً على المجتمع الإسلامي، بل يمكن تحليل المجتمع الأمريكي بناءً على هذه المبادئ أيضاً. أسألكم سؤالاً: هل قام الإمام الخميني (رض) بتحليل وضع الكتلة الشرقية والعالم الشيوعي أم لا؟ هل تنبأ بالوضع المستقبلي لذلك المجتمع؟ هل كان تنبؤه صحيحاً أم لا؟ أي أن الإمام قام بتحليل وضعهم، وبيّن أسباب مشاكلهم، وقدم طريقة حلها بقوله: لا تفقدوا الله، اتجهوا إلى الله، ستُحل مشاكلكم، وإلا ستنضمون إلى مزبلة التاريخ. تحليل المجتمع والاقتصاد ليس خاصاً بالمجتمعات الإسلامية. نحن نحلل المجتمع العالمي. نحن نحلل الأمم، لكن برؤية إسلامية. الرؤية الإسلامية تقول إن أسباب سقوط وتقدم الأمم ليست مادية فقط، بل هناك أسباب مجردة وراء ذلك. بهذا المنظور يمكن تحليل جميع المجتمعات. نفس هذه القضايا تنطبق على الاقتصاد. نحن نحلل اقتصاد أمريكا، لكن بنظرتنا الخاصة، كما أنهم يقولون إن علم الاقتصاد عالمي. أليس علم الاقتصاد الخاص بهم مبنياً على مبادئ رؤيوية وقيمية خاصة؟ كيف يحللون العالم به؟ علم الاقتصاد المتعارف الذي يُدرس في جامعاتنا، أليس لديهم ادعاء بأن علمهم عالمي؟ ألا يقولون إن هذا العلم الذي أنتجناه يمكن تطبيقه في جميع الدول الإسلامية وغير الإسلامية؟ لماذا يقولون هذا؟ لأنهم، برؤية مادية، عندما ينظرون إلى إيران يرونها بنفس الطريقة، وعندما ينظرون إلى بلدهم ينظرون بنفس الطريقة. يدركون الأسباب والعوامل والنتائج بنفس الطريقة. نظرتنا مادية ومجردة. بهذه النظرة المادية-المجردة نحلل المجتمع الأمريكي والسوفييتي، وإيران والمجتمعات الإسلامية أيضاً. في أدبيات الاقتصاد الإسلامي، هناك تفريق: لدينا علم اقتصاد إسلامي، وعلم اقتصاد عالمي بنظرة إسلامية. نحن نمتلك كليهما؛ أي أن علم الاقتصاد الإسلامي يدرس المجتمع الإسلامي ويبين طريق التنمية والتقدم، وعلم الاقتصاد العالمي المبني على المبادئ الإسلامية يمكنه تحليل الوضع الاقتصادي لأمريكا أيضاً.
إذا كان علم الاقتصاد الإسلامي يحدد النقاط المثلى، فما الذي يُعتبر حافزاً للأفراد للتحرك نحو النقطة المثلى؟
إذا أردت التعرف على أي سلوك، بما في ذلك السلوكيات الاقتصادية، وتحديد نمطها، يجب أن توضح عدة نقاط: أولاً، ما هو الحافز لهذا السلوك؟ ثانياً، ما هي القيود على هذا السلوك؟ ثالثاً، ما هي قواعد السلوك؟ أي إذا أراد الإنسان اتخاذ قرار بناءً على هذا الحافز ضمن إطار القيود الموجودة، فما هي قواعد اتخاذ القرار؟ إذا تمكنت من توضيح هذه الأمور الثلاثة، فستكون قد تمكنت من تحديد نمط السلوك. على سبيل المثال، في الاستهلاك ونمط الاستهلاك، ما هو حافز الاستهلاك؟ هل هو السعي وراء اللذة؟ أم تلبية الحاجة؟ هذا يصبح الحافز. عندما ننظر إلى القيود، نجد أن هناك قيوداً شرعية في نوع وحجم الملبس والمأكل. هذا نموذج. مع هذا التوضيح، فإن الفقه والحقوق يأتيان لتحديد القيود السلوكية، ويحددان القيود القانونية والشرعية، ويقولان كيف يكون الاستهلاك حراماً أو ممنوعاً. الأخلاق تأتي لتوضيح الحافز وقواعد السلوك، لأن الأخلاق تجعل الإنسان يتخذ قراراً بمحض إرادته بناءً عليها. هذه مناقشة أساسية في نمذجة القواعد، ولا فرق إن كانت في مكتب المتعة أو المنفعة أو أي مكتب آخر، يجب أن نصيغ النموذج بهذه الطريقة؛ أي يجب تحليل الحافز والقيود وقواعد السلوك. الحافز وقواعد السلوك تنبثق من الأخلاق، والقيود تنبثق من الحدود الشرعية والقانونية. بما أن أخلاقنا وحقوقنا تختلف عن أخلاق وحقوق الغربيين، فإن نمط سلوكنا يختلف أيضاً عن نمط سلوكهم. على سبيل المثال، نمط استهلاكنا يختلف عن نمط استهلاكهم. في الحقيقة، روح أسلوب الحياة هي الأخلاق والحقوق، والتي نعبر عنها في الأدبيات الإسلامية بالأخلاق والفقه. تُبنى الأنماط السلوكية في إطار الأخلاق والفقه. وتكمن الفروقات بين أساليب الحياة في ٩٠% من الحالات في الأخلاق والحقوق.
أقدم مثالاً يتعلق بنظرتكم في مناقشة الاقتصاد الإسلامي. في مسألة العقود الإسلامية التي تُجرى الآن في البنوك، على سبيل المثال، يقوم البنك بشراء وبيع سيارة ضمن عقد مع كافة الحدود والضوابط المتعلقة بالربح والغرامة، ويسترد مبلغ السيارة من المقترض على أقساط. في حين أن إضافة صفة “إسلامي” إلى المعاملات البنكية لا تحل أياً من مشاكل التسهيلات البنكية، ويجب على المقترض وفقاً للضوابط أن يرد أكثر من ١٧% من قيمة الأصل إلى البنك. إذا دخلنا بمنظور فقهي وحقوقي فقط، فإن هذا العقد البنكي إسلامي تماماً، لكن نتيجته هي نفس الربح بنسبة ٢٠% مع غرامة التأخير.
انظر، لا تنتقل من مناقشة أسلوب الحياة، الذي يتعلق بالسلوكيات والعلاقات، إلى المؤسسات. البنك مؤسسة تهدف إلى توجيه جزء من السلوكيات والعلاقات، ووفقاً لما قاله قائد الثورة، فهو جزء من العتاد الصلب (الهاردوير) للعلوم الإسلامية. أسلوب الحياة يتعلق بالسلوكيات، لكن المؤسسات والمنظمات ليست جزءاً من الجانب البرمجي لنموذج التقدم، بل هي الجانب الصلب لنموذج التقدم، وهو خارج عن أسلوب الحياة.
لكن على أي حال، أليس العقود الإسلامية نموذجاً للعلاقة الاقتصادية، ألا يمكن أن تُقام بين فردين؟
إنها مرتبطة، لكن مناقشة بناء النظام والمؤسسات هي مناقشة مختلفة. هناك مشاكل أخرى هناك. لدينا عقود إسلامية، لكن لبناء مؤسسة تستند إلى العقود الإسلامية، يجب مراعاة أهداف ومبادئ النظام. يجب مراعاة النظام القيمي. في بعض الأحيان، تريد تعريف بنك أو مؤسسة أخرى، ومن القضايا المهمة أن تكون في إطار أهداف النظام الإسلامي. تقول ما هو الهدف؟ الهدف الأول هو العدالة. يجب أن تبني المؤسسة بحيث تكون في إطار العدالة. المؤسسة المثلى ليست فقط تلك التي تتوافق مع فقهنا وعقودنا. المؤسسة تكون مثالية عندما تكون ضمن إطار فقهنا، وفي إطار أهداف نظامنا، ومبنية على مبادئ نظامنا. عندما تريد تضمين مؤسسة ضمن نظام، فهذا يختلف عن رغبتك في تحديد نمط يعبر عن السلوك. قلت إنه يمكن تحديد النموذج بمساعدة الفقه والأخلاق، لكن إذا أردنا بناء مؤسسة، مثل بورصة، فإن أحد جوانبها هو الإطار الفقهي، وهناك أيضاً الإطار الأخلاقي، لكن يجب أيضاً مراعاة أمور أخرى مثل الأهداف والمبادئ.
المصدر: مجلة محفل، العدد ٨.