علي نعمتي

تجليات الفقه في تسخير الاقتصاد لخدمة الشعب/1

يظن البعض أن تسيير الاقتصاد بشكل شعبي يعني إحالة أمور مثل الكفارات ورد المظالم إلى الفقيه الجامع للشرائط، بينما في الاقتصاد الإسلامي الشعبي، يكون الفقيه الجامع للشرائط هو من يتولى ولاية الأمر، ويقوم بصياغة وإصدار القوانين الاقتصادية المختلفة، من الخدمات المصرفية إلى الأسواق المالية. بعبارة أخرى، تعدد مراكز اتخاذ القرار والتخطيط الاقتصادي لا يعني تسيير الاقتصاد بشكل شعبي.

الإشارة: النزاع بين مؤيدي وجود نظام اقتصادي إسلامي ومعارضي وجود مثل هذا النظام هو نزاع قديم يوجد أيضاً في بعض الأبواب الفقهية الأخرى. والسؤال الآن هو: هل الاعتقاد أو عدم الاعتقاد بوجود نظام اقتصادي إسلامي يؤثر في قبول أو رفض هذا النظام الاقتصادي؟ يجيب الحجة الإسلام الدكتور علي نعمتي، الأستاذ المساعد في قسم الاقتصاد الإسلامي بمعهد الدراسات الإسلامية في العلوم الإنسانية، على هذا السؤال في هذا التعليق الشفوي الخاص بالفقه المعاصر. وعلى الرغم من أنه يؤيد الفقه الأقصى، إلا أنه لا يقبل بعض اللوازم التي يُتصور أنها لازمة لقبول هذه النظرية.

نحن نعتقد أن الإسلام لديه نظام اقتصادي، وإذا أشار الشارع المقدس والأئمة (ع) إلى نقاط تتعلق بالقضايا الاقتصادية، فإن هذه النقاط صدرت من مبدأ نظرية ومنظور كلي تجاه الجانب الاقتصادي، حيث كانوا يدركون المصالح والمفاسد الكلية، ولكن بما أن المتلقين في عصرهم لم يكونوا يملكون القدرة على استيعاب هذه الأمور، فقد قدموا إجابات وحلولاً جزئية رداً على المشكلات القائمة. لذلك، ليس الأمر كما لو أن أحكاماً منفردة في قضايا شخصية وصلت إلينا، وأن لدينا مجموعة منفردة وغير متماسكة تُعرف بالحقوق الاقتصادية، وأنه لا يوجد نظام اقتصادي في الإسلام. على العكس، نحن نؤمن أن الاقتصاد الإسلامي لديه نظام، وأن هذه الأوامر صدرت من مبدأ هذا النظام. واستخلاص هذا النظام والأسس التي أنتجت هذه الأحكام الجزئية يقع على عاتق الفقه.

لاستخلاص النظام الاقتصادي الإسلامي، نظرتنا هي نظرة أقصوية إلى الفقه. نحن نعتقد أن الرؤية التي كان يحملها الإمام الخميني (ره) والقائد الأعلى والمفكرون الكبار للثورة مثل الشهيد صدر والشهيد مطهري هي هذه النظرة الأقصوية التي أنتجت الثورة الإسلامية، والتي أدت اليوم إلى قيام الثورة الإسلامية. وربما لم تكن الثورة الإسلامية لتتحقق مع نظرة حدأدنوية. ومع ذلك، يجب أن نأخذ في الاعتبار أننا، على الرغم من اعتقادنا بالإسلام والدين الأقصى والفقه الأقصى، لا نعتقد أن الفقه الأقصى يعني، بأي حال من الأحوال، تدخل الدولة في جميع الشؤون. بعبارة أخرى، لا الفقه الحدأدنوي يسعى إلى التسيير الشعبي، ولا الفقه الأقصى يعني التدخل الأقصى للدولة في الاقتصاد.

إذا ذهبنا بنظرة أقصوية إلى الفقه، وسعينا إلى صياغة وتنظيم واستخلاص نظرية السوق في النظام الاقتصادي، وكذلك نظرية الدولة في الاقتصاد الإسلامي ونظرية النقود في النظام الاقتصادي وفقه الاقتصاد، فسنجد أننا مع هذه النظرة سنواجه دولة حدأدنوية.

ما نطلق عليه اسم تسيير الاقتصاد بشكل شعبي له شواهد قوية ومتعددة في التعاليم الاقتصادية الإسلامية، وهو أحد الابتكارات العلمية المثيرة للإعجاب التي اختارها القائد الأعلى لوصف الاقتصاد المثالي لنظامنا الإسلامي. وعلى الرغم من أنه لم يدرس الاقتصاد بشكل موسع ومفصل وليس متخصصاً في الاقتصاد، إلا أنه طرح هذه القضية بذكاء ودقة كبيرين.

أقول، كشخص على دراية بالاقتصاد، إنه يجب علينا أن نصف ونبين مفهوم التسيير الشعبي وكون الاقتصاد شعبياً ومكونات الاقتصاد الإسلامي المختلفة بطريقة جميلة للغاية. يمكننا أن نبين قضية السوق، قضية الدولة، قضية الضمان الاجتماعي، قضية النقود، قضية التمويل، وغيرها من مكونات النظام الاقتصادي الإسلامي بوصف الشعبية.

يظن البعض أن تسيير الاقتصاد بشكل شعبي يعني إحالة أمور مثل الكفارات ورد المظالم إلى الفقيه الجامع للشرائط، بينما في الاقتصاد الإسلامي الشعبي، يكون الفقيه الجامع للشرائط هو من يتولى ولاية الأمر، ويقوم بصياغة وإصدار القوانين الاقتصادية المختلفة، من الخدمات المصرفية إلى الأسواق المالية. بعبارة أخرى، تعدد مراكز اتخاذ القرار والتخطيط الاقتصادي لا يعني تسيير الاقتصاد بشكل شعبي.

إن تسيير الاقتصاد بشكل شعبي يتضح جلياً من أحكام الإسلام. على سبيل المثال، في الزكاة، يُقال إنه يجب على الأفراد إنفاق مبلغ الزكاة في منطقتهم ما أمكن، وتسليمه إلى الحاكم الشرعي في تلك المنطقة. حتى إذا نقل المؤدي الزكاة إلى مكان آخر وتلف في الطريق، فإن يده لم تعد يد أمانة، وسيكون مسؤولاً عن المبلغ المتلف، وبالتالي يجب عليه دفعه مرة أخرى. هذا يدل على أن الإسلام يولي اهتماماً خاصاً بالمقاييس الصغيرة والمحلية، على عكس النظريات الاشتراكية والشيوعية المركزية التي تعرضت لانتقادات شديدة من قبل رواد الثورة الإسلامية مثل الشهيد صدر والشهيد مطهري.

Source: External Source