إشارة
الحجة الإسلام السيد محمدمهدي رفيعپور الطهراني، يقيم منذ سنوات درس خارج فقه الإعلام في الحوزة العلمية بطهران. وقد عاد إلى الحوزة العلمية في طهران بعد سنوات من الدراسة في الحوزة العلمية بقم، مستفيدًا من أساتذة مثل الأيات الطبريزي، وحيد الخراساني، الشبيري الزنجاني، والحائري. وإلى جانب دراسته الحوزوية، واصل تعليمه الجامعي حتى حصل على درجة الدكتوراه. وبمناسبة تدريسه درس خارج فقه الإعلام، سألناه عن ماهية فقه الإعلام. ويرى مؤلف كتاب «مدخل إلى فقه الإعلام» أن فقه الإعلام، بسبب حداثته، لم يحظَ بعد باتفاق الفقهاء حول ماهيته وشبكة مسائلِه، ولذا يجب الانتظار بضع سنوات حتى يصل هذا العلم الفقهي الناشئ إلى استقرار نسبي. وفيما يلي نص الحوار الخاص مع هذا الأستاذ والباحث في فقه الإعلام:
فقه معاصر: ما هو فقه الإعلام وما الموضوعات التي يتناولها؟
رفيعپور الطهراني: يمكننا أن نختار لهذا العلم تعريفًا بأنه أحد الفقه المضاف الذي يتناول بحث ودراسة الأحكام والتشريعات الوضعية والتكليفية للشريعة بناءً على المناهج والأساليب المقبولة والمعتمدة في الاجتهاد في مجال مسائل الإعلام. يمكننا أن نبدأ نقاشنا بهذا التعريف ونتحدث عن فقه الإعلام. وبالطبع، بما أن هذا العلم أو هذا الفرع من العلم حديث الظهور، فإنه يواجه تحديات تتعلق بنطاق نشاطه أو تداخل وخروج بعض المسائل أو التداخل مع بعض فروع الفقه المضاف الأخرى. وبعد أن يُناقش هذا الموضوع لعدة سنوات، سيصل الباحثون تدريجيًا إلى اتفاق وقرار، وسيتم توضيح تفاصيل وحدود هذا العلم.
فقه معاصر: ما الفرق بين فقه الإعلام والأبواب الفقهية المشابهة مثل فقه الفن، فقه الفضاء الافتراضي، فقه الثقافة وغيرها؟
رفيعپور الطهراني: كما أوضحت في الإجابة على السؤال السابق، بسبب حداثة هذه العلوم، هناك تداخل بينها إلى حد ما. على سبيل المثال، مسألة حرمة الكذب والافتراء يطرحها البعض الآن في فقه الإعلام، والبعض في فقه الثقافة، والبعض الآخر في فقه الفن. فمن حيث أن الكذب له مصاديق كثيرة في الإعلام، يُطرح في فقه الإعلام؛ ومن حيث أن له آثارًا ثقافية كبيرة، يُطرح في فقه الثقافة؛ ومن حيث أن عملًا فنيًا مثل فيلم قد يُكتب بناءً على سيناريو كاذب، يُطرح في فقه الفن.
بالطبع، هناك مسائل لا يمكننا القول بشكل قاطع إنها يجب أن تكون في فقه الفن وليس في فقه الإعلام، أو العكس! يبدو أنه يجب الانتظار قليلًا حتى تُعرض هذه العلوم نفسها ويُعرض المفكرون والباحثون مصاديقها، ثم يصلوا تدريجيًا إلى اتفاق. لكن النقطة هنا هي أن وجهة النقاش لكل من هذه المسائل مختلفة. بمعنى أنه إذا طرحنا مسألة في فقه الفن، يجب أن تكون متعلقة بالجانب الفني؛ وإذا طرحناها في فقه الإعلام، يجب أن تكون متعلقة بجانب النشر والإعلام العام. لذا، حتى لو كان هناك تداخل من حيث الموضوع، فإن وجهة النقاش تختلف بالتأكيد. وإلى جانب فقه الفن والإعلام، يمكن أن تُطرح مسائل هذين البابين الفقهيين من حيث كونهما نوعًا من الاتصال الجماعي في فقه الاتصالات أيضًا. كما أن كل هذه المسائل يمكن أن تندرج تحت فقه اجتماعي، وهو أيضًا من الفقه الحديث والناشئ. لذا يجب النظر إلى وجهة النقاش وتنظيم المسائل تحت الأبواب الفقهية المختلفة من هذا المنظور.
على سبيل المثال، فيلم يُنتج له جانب فني، حيث يقوم أفراد بالتمثيل وإظهار قدراتهم الفنية؛ ومن جهة أنه يريد نقل رسالة إلى الجمهور أو الإشادة أو الذم بمسألة أخلاقية، فهو بالتأكيد وسيلة إعلامية؛ ومن جهة أنه يمكن أن يطلق ثقافة في مجتمعنا ويكون بداية لحركة اجتماعية، فهو مسألة ثقافية.
لذا، هذه التداخلات لا تثير القلق على الإطلاق وهي طبيعية، حيث من الطبيعي أن تُناقش مسألة من عدة جوانب. لكن كما أشرت، يجب أن ننتبه إلى أن وجهة النقاش لكل منها مختلفة.
وأكرر أن هذه المسائل لم تُنقح بعد، والباحثون بدأوا للتو في تحديد المسائل والبحث عن المصادر وتقديم مناقشاتهم، لذا فإن هذه التداخلات تبدو طبيعية. ولا ينبغي أن نتوقع من هذه الأبواب ما نتوقعه من كتاب الطهارة أو الخمس والزكاة، لأن هذه الأخيرة نوقشت وقُررت على مدى قرون ولها نصوص قياسية ناقشها الفقهاء، بينما في فقه الإعلام، لم تُوضع حتى النصوص الأولية بعد.
فقه معاصر: ما هي الأبواب والعناوين والمسائل الأهم في فقه الإعلام؟
رفيعپور الطهراني: يمكننا أن نُبيّن نظام مسائل فقه الإعلام من جهات مختلفة ونضع أساسًا أو، كما يُقال، جدول أعمال لفقه الإعلام.
أولاً: يجب أن نرى هل نقاشنا يتعلق بمنتج المحتوى أم بمستهلكه. إذا أردنا مناقشة إنتاج المحتوى الإعلامي، فله أحكام معينة. أو إذا تحدثنا عن المشاهدين أو المستمعين الذين هم مستهلكو الإعلام، فلهم أحكام مختلفة. قد يكون من الواجب إنتاج شيء في الإعلام، مثل برنامج طبي أو برنامج عسكري، لكن بالنسبة للجمهور الذي يشاهد هذا البرنامج، قد يكون حرامًا لأنه مضر به؛ لذا يجب فصل هذين الجانبين.
ثانيًا: هل نقاشنا يتعلق بالإعلام الديني أم بالإعلام بشكل مطلق؟ أعني بالإعلام الديني تلك الوسائط التي تنتج وتبث وتنشر الرسائل الدينية، مثل إذاعة القرآن، شبكة القرآن، والمنبر الذي هو وسيلة إعلامية دينية تقليدية متأصلة في ثقافتنا. هل نريد مناقشة أحكام الوسائط الإعلامية الدينية أم أننا نتحدث عن الأحكام والقوانين المتعلقة بالوسائط الإعلامية بشكل عام، مثل الوسائط العرفية التي تبث برامج الطبخ، الخياطة، والرياضة؟ من الطبيعي أن القداسة الموجودة في بث برامج الإعلام الديني غير موجودة في الإعلام غير الديني. قد نقول إن بث الموسيقى ممنوع في الوسائط الإعلامية الدينية، لأن الموسيقى، حتى لو كانت مباحة، ليست رسالة دينية؛ بينما في الوسائط العرفية لا مانع من بث موسيقى مباحة خلال البرامج.
أرى أنه من المهم جدًا أن ننتبه إلى هذه التقسيمات وألا نسرد مسائل فقه الإعلام بشكل عشوائي ومختلط.
ثالثًا: يجب فصل الإعلام الخاص عن الإعلام الحكومي. نحن نعيش الآن في زمن أصبح فيه للأفراد وسائط إعلامية خاصة بهم. فالكثير من الأفراد، الفنانين، الممثلين، العلماء، والكتاب لديهم صفحات شخصية ووسائط إعلامية خاصة. بينما المسائل التي تُطرح في الإعلام الحكومي لا تُطرح في الإعلام الخاص.
على سبيل المثال، كيف يجب تمويل ميزانية الإعلام الحكومي؟ هل يجب على الناس دفع المال لكي تمتلك حكومتهم وسائط إعلامية؟ هل يجب على الحكومة أن تأخذ مباشرة من بيت المال لإدارة الإعلام أم يمكنها ذلك؟ إن موارد التمويل الإعلامي هي مسألة مهمة جدًا في الإعلام، وهذه المسألة تختلف بين الإعلام الخاص والحكومي.
قبل أن نجري هذا التقسيم، لا ينبغي أن ندخل في مناقشة مسائل فقه الإعلام ونسردها بشكل متتالٍ فحسب.
