إشارة: نظرية الهمروي هي نظرية قدمها الدكتور سيد صادق حقيقت للتوفيق بين الفقه السياسي والفكر السياسي. هذه النظرية، التي طُرحت في البداية فقط للتوفيق بين هذين العلمين في العلوم السياسية، توسعت لاحقًا واقتُرحت للتوفيق بين التقاليد والحداثة وموضوعات أخرى أيضًا. لكن يجب أن نسأل عن العلاقة بين هذه النظرية والنهجين الأدنوي والأقصوي للدين. هل تميل نظرية الهمروي إلى أحد هذين النهجين، أم أنها تقف في المنتصف؟ صاحب هذه النظرية يرى أن الهمروي تمتلك حدودًا واضحة مع الفقه الأدنوي والفقه الأقصوي. وفي رأيه، تختلف هذه النظرية حتى عن بعض النظريات التي طُرحت في منتصف الفقه الأدنوي والأقصوي. تفاصيل الحوار الخاص مع الفقه المعاصر مع أستاذ معهد الإمام الخميني والثورة الإسلامية والباحث البارز في الفكر السياسي، ستُعرض لكم فيما يلي:
الفقه المعاصر: ما هو النهج الأدنوي والأقصوي للفقه، وما هي متطلبات كل منهما؟
حقيقت: النهجان الأدنوي والأقصوي يُطرحان بالنسبة للدين وللفقه على حد سواء. في مجال التوقعات من الدين، هناك نهجان رئيسيان للدين: النهج الأدنوي والنهج الأقصوي. النهج الأقصوي يقوم على أن الدين يمتلك أحكامًا هنجارية وتنجيزية في جميع مجالات توقعات البشر من الدين، سواء في العبادات أو المعاملات أو القضايا الاجتماعية أو السياسية. أما الدين الأدنوي فيعتقد أن الدين مخصص أساسًا للمبدأ والمعاد، لكنه فيما بينهما، أي في الحياة السياسية والاجتماعية، يتركنا لعقلنا وتجربة البشرية.
النقطة الجديرة بالملاحظة هي أن الدين الأقصوي والأدنوي يشكلان طيفًا؛ أي أن الأمر ليس كما لو أن أنصار كل نهج لديهم آراء متطابقة تمامًا، بل لديهم طيف من الآراء، حيث يشكل أحد طرفي الطيف الفقه الأدنوي، والطرف الآخر الفقه الأقصوي. ولكن يمكن تصور حل وسط وطريق ثالث لهذين الطيفين، وهو ما أسميه الهمروي.
الفقه المعاصر: ما هي نظرية الهمروي، وما المشكلة التي تسعى لحلها؟
حقيقت: تُعرف نظرية الهمروي في أربعة مجالات: أولاً، مجال المعرفة، أي التفاعل بين المناهج المعرفية. ثانيًا، مجال المنهجية، أي التفاعل بين المناهج المختلفة، بما في ذلك المناهج التقليدية والحديثة وما بعد الحداثة. ثالثًا، همروي الفلسفة السياسية والفقه السياسي فيما يتعلق بالقضايا السياسية وحل المشكلات السياسية. بالطبع، علوم الفلسفة السياسية، والكلام السياسي، والأخلاق السياسية، والعرفان السياسي، وحتى علم السياسة يمكن أن تكون حاضرة في هذا الهمروي. رابعًا، همروي التقاليد والحداثة. يبدو أن إثبات الطريق الثالث في هذه المجالات الأربعة هو الأقرب إلى الحقيقة. لذا، فإن الطريق الوسط والمتوازن بين الإفراط والتفريط في هذه المجالات الأربعة هو نظرية الهمروي النصية المحور، بمعنى أن جميع النصوص الدينية، بما في ذلك القرآن والروايات، معتبرة بالنسبة لها. بعبارة أخرى، لا يوجد سبب يدعونا للتخلي عن الآيات والروايات في أي مجال، بل إن من واجبنا أن نجعل النص أساسًا في جميع الأمور. وهذا لا يتعارض مع تحليل النصوص بناءً على أدلة خارجية أو تحليل بعض المبادئ. على سبيل المثال، من الضروري لنا الرجوع إلى القرآن والروايات، ولكن إذا اكتُشف، بناءً على أدلة عقلية، أننا لا يمكن أن نمتلك نظرية للدولة أو أننا لا يمكن أن نلتزم بنظرية السلام في الروايات، فإننا نستنتج أن نظرية الدولة أو السلام غير موجودة في الآيات والروايات.
الفقه المعاصر: كيف تقف نظرية الهمروي في منتصف الفقه الأدنوي والفقه الأقصوي؟ بعبارة أخرى، ما هي الخصائص التي تستوعبها هذه النظرية من الفقه الأدنوي والأقصوي، وما الخصائص التي تستبعدها منهما؟
حقيقت: نظرية الهمروي هي طريق ثالث بين نظرية الفقه الأدنوي والأقصوي. التوضيح هو أن هناك طيفًا بين النهجين الأدنوي والأقصوي، وهذا الطيف يعني أن هناك نظريات مختلفة تقع بين يسار ويمين هذا الطيف. لكن نظرية الهمروي تقع بين النهج الأدنوي والأقصوي. النهج الأقصوي يعتقد أن الدين أو الفقه، بناءً على القراءتين الأقصويتين للدين أو الفقه، يمتلك أحكامًا في مجالات مختلفة، سواء السياسية أو الاجتماعية، بينما يعتقد النهج الأدنوي أن الدين جاء فقط للمبدأ والمعاد، وأن الفقه يمتلك أحكامًا قليلة في القضايا السياسية والاجتماعية. لكن بناءً على نظرية الهمروي، الفقه السياسي هو علم معتبر، ولا يمكن التغاضي عنه. من هذه الناحية، تشبه نظرية الهمروي نظرية الفقه الأقصوي، لأن كلا النظريتين تعتبران الفقه السياسي معتبرًا.
لكن الفرق بين نظرية الهمروي والنهج الأقصوي للفقه يكمن في أن النهج الأقصوي يتوقع أن يلبي الدين جميع احتياجاتنا، خاصة في مجال السياسة والمجتمع، بينما تحدد نظرية الهمروي، من جانبها، الاستراتيجيات العامة والاتجاهات والقيم العامة فقط؛ لذا تختلف نظرية الهمروي عن النهج الأقصوي. كما أن هذه النظرية تختلف عن النهج الأدنوي أيضًا. الفرق الرئيسي بينها وبين النهج الأدنوي يكمن في أن الأدنويين لا يعتبرون الفقه السياسي معتبرًا، ومن ثم يميلون إلى السكولارية، بينما نظرية الهمروي، بما أنها تعتبر الفقه السياسي معتبرًا، تمتلك حدودًا واضحة مع السكولارية.
الفقه المعاصر: هل تعني نظرية الهمروي “السعي لفهم جديد ومنسجم مع متطلبات المجتمع من النصوص” في منتصف التجاهل التام للنصوص والاعتماد الكلي على النصوص؟ بعضهم، مثل الأستاذ مهريزي، قبل عقود، عبَّر عن “السعي لفهم جديد من النصوص” كطريق وسط بين التجاهل التام للنصوص والاعتماد الكلي عليها، واعتبرها المنهج السائد بين الفقهاء. هل تختلف نظرية الهمروي عن دعواه؟
حقيقت: نظرية الهمروي طُرحت بشكل رئيسي في سياق الفكر السياسي الإسلامي، بينما يقوم منهج الأستاذ مهريزي على الدين بشكل عام. لذا، فإن هاتين النظريتين تتشاركان من جهة في كونهما طريقًا وسطًا في قراءة النصوص، لكن الفرق الرئيسي يكمن في أن نظرية الهمروي تتعلق بمجال الفقه السياسي، بينما نظرية الأستاذ مهريزي تتعلق بالدين بشكل عام.
الفقه المعاصر: بالنظر إلى أن نظرية الهمروي طُرحت في الفقه السياسي، هل يمكن تعميمها على سائر الأبواب الفقهية، أم أن هذه النظرية تمتلك متطلبات تجعلها قابلة للطرح فقط في الفقه السياسي؟
حقيقت: لم تُطرح نظرية الهمروي في مجال الفقه السياسي، بل في مجال الفكر السياسي الإسلامي. مصطلح الفكر السياسي هو مصطلح عام يشمل الفقه السياسي والفكر السياسي على حد سواء. لذا، تسعى نظرية الهمروي إلى التفاعل بين الفلسفة السياسية والفقه السياسي، وليست مقتصرة على الفقه السياسي فقط. المستوى الأول من الهمروي يتعلق بالمعرفة، والمستوى الثاني يتعلق بالمنهجية، بينما يتناول المستويان الثالث والرابع همروي الفلسفة السياسية والفقه السياسي، وأخيرًا همروي التقاليد والحداثة.
